تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لُغَةِ الكِتَابِ العَزِيْزِ.

ثالثاً: نَماذجُ مِن تَفْسِيْرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في جَامِعِ البَيَانِ

1. المُبْتَدأُ والخَبَرُ:

قَوْلُهُ تَعَالى: ?خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ? (البقرة: 7)

نَقَلَ ابْنُ جَريرٍ الطَّبَرِيّ في تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ?وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ? تَأْوِيْلَيْن:

الأَوّل: رُوِيَ عَن ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: "حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي, قَالَ: حَدَّثَنِي عَمّي الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ, عَن ابْنِ عَبّاسٍ: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم، وعَلَى سَمْعِهِمْ، والغِشَاوَةُ عَلَى أَبْصَارِهِم."

والثّانِي: رُوِيَ عن ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ الطّبَريُّ: "حَدَّثَنا القَاسِمُ, قَالَ: حَدَّثَنا الحُسَيْنُ, قَالَ: حَدَّثَني حَجّاج, قَالَ: حَدَّثَنا ابنُ جُرَيْجٍ, قَالَ: الخَتْمُ عَلَى القَلْبِ والسّمعِ, والغَشَاوَةُ عَلَى البَصَرِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ?فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ،? (الشورى:24) وقَالَ: ?وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً.? (الجاثية:23) "

وقَدْ جَاءَ في الدّرِّ المَنْثُورِ أَنَّ هذا التَّفْسِيْرَ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عن ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ في الدُّرِّ: "وأَخْرجَ ابنُ جُرَيْجٍ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم، وعَلَى سَمْعِهِم، فلا يَعْقِلُونَ، ولا يَسْمَعُونَ، وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِم -يَقُولُ: أَعْيُنُهُم- غِشَاوَةً فَلا يُبْصِرُونَ." وقَدْ نَقَلَ الطّبَرِيُّ هذا التَّفْسِيْرَ عن غَيْرِ ابنِ جُرَيْجٍ مَرْوِيًّا عَن ابنِ مسْعُودٍ.

هذان تَفْسِيْرَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ?وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ،? أَمّا تَوْجِيْهُ النُّحاةِ للآيَةِ بِهذا اللّفْظِ فهو وَاحِدٌ لَيْسَ فِيْهِ خِلافٌ، وهو أَنَّ هذه جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ تَقَدَّمَ فِيْها الخَبَرُ، وهو شِبْهُ الجُمْلَةِ، وتَأَخَّرَ المُبْتَدَأ، وهو (غِشَاوَةٌ)، وهذا التَّوْجِيْهُ يَتَّفِقُ مَع تَفْسِيْرِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَدْ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ بِذلِكَ، قَالَ: "وبِمَا قُلْنا في ذلكَ مِن القَوْلِ والتَّأوِيْلِ, رُوِيَ الخَبَرُ عَن ابْنِ عَبّاسٍ."

ويُشِيْرُ كَلامُ الطَّبَرَيِّ أَنَّ قَوْلَ النُّحَاةِ، وتَوْجِيْهَهُم للآيَةِ مَرْوِيٌّ عَن ابْنِ عَبّاسٍ، وهو قَوْلُهُ: "والغَشَاوَةُ عَلَى أَبْصَارِهِم"، وكَأَنَّ النُّحَاةَ قَدْ أَخَذُوا تَوْجِيْهَهُم مِنْ كَلامِ ابْنِ عَبّاسٍ، ومَا فَعَلَهُ ابْنُ عَبّاسٍ أَنَّهُ أَخَّرَ مَا كَانَ مُقَدَّمًا، وقَدّمَ مَا كَانَ مُؤخّرًا، وهو المُبْتَدأ النَّكِرَةُ، ثمّ عَرَّفَها حَتّى تَصِحَّ الجُمْلَةُ، فَكَلامُ النُّحاةِ هُنا تَطْبِيْقٌ لِتَأوِيلِ ابْنِ عَبّاسٍ، ولَيْسَ في هذا التَّوْجِيْهِ خِلافٌ، والسَّبَبُ في ذلِكَ أَنّهُ لا يُوجَدُ اخْتِلافٌ في التَّأْوِيلِ، فَتَأْوِيْلُ الجُمْلَةِ وَاحِدٌ، لا خِلافَ فِيْهِ عِنْدَ أَهْلِ التّفْسِيْرِ بِالمَأثُورِ.

ولا يَتَّفِقُ التَّأويلُ الثّانِي مَع هذا القِرَاءَةِ للآيَةِ، وهي قراءَةُ رَفْعِ (غِشَاوةٍ)، وذلِكَ لأَنَّ تَأْوِيْلَ ابْنِ مِسْعُودٍ لَيْسَ بِرَفْعِ (غِشَاوَةٍ)، وإِنّما بِنَصْبِها، وهو مُعْتَمِدٌ في ذلِكَ عَلى قَوْلِهِ تَعَالى في سُورَةٍ أُخْرى: ?وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً.? (الجاثية:23)

ويَتَّفِقُ هذا التّأويلِ مَع قِرَاءةٍ أخْرى، وهي القِراءَةُ بِنَصْبِ: (غِشَاوَةٍ)، وكَأَنَّ هذا التَّأويلَ جَاءَ مُفَسِّرًا لِقِرَاءَةِ النَّصْبِ، فَأَخَذَ بِهِ النَّحَاةُ، وتَأَوَّلُوا الآيَةَ كَمَا تَأَوّلَها ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: "فَإنْ قَالَ قَائِلٌ: ومَا وَجْهُ مَخْرَجِ النَّصْبِ فِيْها؟ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ نَصْبَها بِإضْمَارِ (جَعَلَ) كَأَنَّه قَالَ: وَجَعَلَ عَلى أَبْصَارِهِم غِشَاوَةً، ثُمَّ أَسْقَطَ (جَعَلَ)؛ إِذْ كَانَ في أَوّلِ الكَلامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْه".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير