تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأياً ما يكن تفسيرنا لغياب أو تأخُّر تأسيس (علم أصول التفسير) فإن هذا لا يلغي أن المسألة تستحق الدرس والبحث، ويجب القول: إن تأخر تأسيس علم أصول التفسير (على الرغم من أنه مازال حتى هذه اللحظة في بداياته) لا يعني عدم وجود قضايا أساسية تتعلق بهذا العلم تم درسها بشكل مستقل، أطلق عليها في بعض الأحيان أسماء العلوم: مثل: قراءات القرآن، الناسخ والمنسوخ، المكي والمدني، أسباب النزول، التناسب بين الآيات والسور ... الخ، وبسبب تراكم البحث في هذه القضايا نشأ على يد الإمام الزركشي ما سُميّ بـ «علوم القرآن»، وعلوم القرآن كما عرضها الزركشي في برهانه أوسع من علم أصول التفسير، فقد جَعل هو نفسه علم التفسير نوعاً من هذه العلوم.

على أن تطور البحث البلاغي وتأثيره في دراسة القرآن أفرز مناهج لدراسة القرآن الكريم لم تتقّدم كثيراً على المستوى النظري، ولكن يمكن استكشافها عبر تطبيقات العلماء، وبشكل خاص «تفسير القرآن بالقرآن» أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255ه) في بحثه «النار في القرآن»، ضمن كتابه «الحيوان»، ثم ابن تيميه في رسالته «لفظة السنة في القرآن»، والذي اتبعه فيه تلميذه ابن كثير في كتابه «تفسير القرآن العظيم»، والذي كان قد أسهم بنشر أساس التفسير الموضوعي أو إرهاصات التفسير الموضوعي. ولأنَّ تأسيس علم أصول التفسير لم يكن قد تم بعد، فقد بقيت هذه المناهج (على الأقل حتى ما قبل ابن تيميه) مجرّد معالم في المناهج التفسيرية لم تتبلور أو تتطور وتستثمر حتى القرن العشرين، حيث تبلور ما يسمى بـ «التفسير الموضوعي».

ثانياً: أصول التفسير بوصفه عِلْماً.

كانت النقلة المهمة في إنشاء علم لأصول التفسير كامنة في تحديد مهمة للعلم الجديد، الثاوية في «البحث في أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته بقدر الطاقة الإنسانية،» لكن هذا التعريف -على الرغم من أنه حرض على العمل في تقعيد هذا العلم- ملتبس بمفهوم التفسير نفسه؛ فلم يحدد موضوعه بإنشاء «القواعد الكلية» كما يفترض في هذا العلم، وقد أدى هذا الالتباس في مصطلح علم التفسير (بمعنى التفسير نفسه) مع مصطلح علم التفسير (بمعنى القواعد الكلية للتفسير) إلى تحديد غير دقيق في موضوعاته، ولهذا عندما أراد السيوطي مثلاً تحديد فروعه وموضوعاته لم تكن إلاّ بعض علوم القرآن التي تعتبر معظمها -على أهميتها- ثانوية بالنسبة لـ «القواعد الكلية».

لقد دعا هذا الالتباس العلامة الفنَّاري ليناقش التعريفات التي تحدد مفهوم «علم التفسير»، معتبراً أن كلمة علم يفترض أنها دالّة على «الأصول والقواعد أو مَلَكَتَهَا»، وأن هذا لا يصحُّ بالنسبة لعلم التفسير؛ لأنه «ليس لعلم التفسير [بعد] قواعد يتفرع عليها الجزئيات إلاّ في المواضع النادرة.»

وفيما عدا الحرَّالي الذي «نظَّر» إلى حدٍّ ما لعلم أصول التفسير على أنه بمنزلة أصول الفقه بالنسبة لعلم «الفقه»، كما مرّ، وابن تيميه الذي سعى لوضع «قواعد كلية»، فإننا لا نعثر على مساهمات حقيقية في إطار تحديد موضوع «علم أصول التفسير»، إلا عند ابن الأكفاني (ت748ه) الذي يعتبر موضوع علم التفسير هو تأسيس «قانون عام يعوّل في التفسير عليه، وترجع في التأويل [للقرآن] إليه»؛ ولهذا فإن ثمة ضرورة ما تزال قائمة لضبط صارم لعلم أصول التفسير وموضوعاته.

والظن أنه بالإمكان تحديده من خلال وظيفته، بوصفه «العلم بالقواعد الكلية المتعلقة بالكشف عن أحوال كتاب الله تعالى (القرآن) من حيث دلالته على المعنى»، وبذلك تنحصر موضوعات علم أصول التفسير بـ «الكليات» من القواعد، كما تتحدد مهمته بـ «بالكشف عن الدلالة».

لاشك أن هذين العنصرين سيفرضان عدداً من الموضوعات، تبدأ بتحديد مفهوم الدلالة وتعددها في القرآن الكريم، ثم خصائص القرآن المؤثرة في التأويل، وشروط التأويل، ودور المفسّر، وتصنيف الوحدات الدلالية (المفردة، الجملة، .. الخ)، والسياق التاريخي (أسباب النزول، والظروف العامة لنزول القرآن ... الخ)، وسوف تستلزم هذه الأقسام -بدون شك- بحثاً في المناهج، والأدوات اللازمة لها، والطرق الممكن اتباعها لتطبيقها. وشأنُ كل علم يتداخل مع العلوم فإنه في إنشائه سوف يقتبس من العلوم الأخرى ويعتمد عليها ضمن إطاره الوظيفي، ثم يتطور ليبلور أدواته ومناهجه الخاصة التي سوف تتطور بدورها وتنضج بالجهود

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير