تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتبقى الإشكالية الرئيسية في المعنى النحوي لعلم النحو كما هو عليه اليوم في الإعراب؛ إذ اتخذ وسيلةً للإبانة عن المعنى، في وقت يحتاج الإعراب ذاته إلى المعنى، فلا يمكن التوصل إلى الإعراب إلا عن طريق الفهم العام للجملة، متمثلاً في فهم العلاقات المعنوية بين الألفاظ، «وقد اضطرهم هذا إلى قولهم الشهير: «الإعراب فرعُ المعنى»، وتوسلوا إلى ذلك بفكرة «العامل النحوي» ... »، وهو ما يدخلهم في نوع من الدور المنطقي.

ما يعنينا من كل هذا في علم التفسير هو البحث الدلالي النحوي، وتحديداً الإعراب و «العلامة» الإعرابية، فقد كان مسار الدرس النحوي على ما وصفنا من موقعه القلق بين مؤدي الكلام ومتلقيه قد أدى إلى حصر النحو في العلامة الإعرابية، التي تتضمن ذاتها هذا الموقف القلق بين الأداء والتلقي، ونحن نعتبرها موضوعاً مشتركاً بين علمي النحو والأصول، وإن لم يكن قد اشتغل بها الأصوليون، إذ هي تصلح للموقفين معاً: (التلقي والأداء)، وعلى هذا فاستثمارها في علم التفسير ضرورة لتلقي القرآن بصفته «كلاماً ناجزاً» لله سبحانه وتعالى، وعلم التفسير معني بدراسة الدلالة الإعرابية بنفس الدرجة التي تعني علم الأصول.

2. أصول الفقه وتقعيد أصول التفسير

و يقودنا هذا كله للقول بأن منظور أصول الفقه الدلالي يتقاطع إلى حد كبير مع علم أصول التفسير، والمثير في الأمر أن تأسيس أصول الفقه برسالة الشافعي قام -فيما يبدو- بوصفه قواعد لدراسة «أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً» بشكل رئيس، لكن تطوراته فيما بعد وتوسعه بوصفه علماً متخصصاً باستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية دون غيرها، وبقيت آيات الأحكام من موضوعاتها الرئيسة.

لقد كانت الدلالة القاسم المشترك بين العلوم الإسلامية، ومن غير الممكن القول إن واحداً من تلك العلوم يستأثر بالبحث الدلالي منفرداً، لكننا مع ذلك نجد أنفسنا أمام «علم أصول الفقه» باعتباره العلم الوحيد المؤسس «لتلقي» النصّ القرآني المنزل، ولكن المشكلة الرئيسية أن أصول الفقه تطّور فيما بعد من مهمة رئيسية هي تأسيس «قواعد تفسير آيات الأحكام» عند الإمام الشافعي إلى قواعد «استنباط القفه» عموماً والاجتهاد الفقهي، وهو تطورّ لا يلغي المهمة التي ابتدأها أساساً الشافعي بقدر ما يزيد عليها ويعتبرها إحدى مهماته الرئيسية.

المشكلة في الأصول هي في ضيق الدائرة التي يُشغَّل ويشتغل فيها، ورغم ذلك فهو العلم الوحيد الناضج الذي نهض لدراسة الدلالة من موقع التلقي، وهو أكثر العلوم قابلية للاستثمار والاستعارة لعلم أصول التفسير، إلاّ أن استثماراً من هذا النوع يستدعي تعديلات ونقد لتمكينه من توسيع دائرة عمله في النص القرآني.

إن انحصار «أصول الفقه» في مسائل الأحكام الشرعية جعل العلماء ينظرون إلى أصول الفقه على أنه إحدى الأدوات الثانوية بالنسبة إلى العلوم اللغوية في الأهمية، ذلك أنه يستخدم في الدائرة المتعلقة بالأحكام المستنبطة من الآيات، وربما كان المثال على ذلك أبو حيان الأندلسي في كتابه البحر المحيط، الذي يصرح باستثمار الأصول إلاّ أنه يؤخره إلى آخر درجة فعلياً، وهذا شأن التفاسير التي صرّحت في بعض الأحيان باعتبار علم الأصول أداة. وبسبب هذا الارتباط بين علم الأصول والأحكام الفقهية يرى بعض العلماء أن «نقل المنهج الأصولي ليصبح منهجاً للتعامل مع النص القرآني في المجالات والمحاور كلّها ( ... ) غير صحيح،» بافتراض أن «لكل مجال آلات لفهمه»، فيما يرى بعض الباحثين أن علم أصول التفسير يرتكز بشكل كبير على أصول الفقه.

لقد أصبحت إذاً الحاجة إلى «قانون عام يعوّل في تفسيره [القرآن] عليه، ويرجع في تفسيره إليه: من معرفة مفرداته، ومركباتها، وسياقه، وظاهره وباطنه، وغير ذلك مما لا يدخل تحت الوهم، ويدقَّ عنه الفهم» أمراً «لا يستغنى عنه.» ولا يبدو أن ثمَّة علماً مرشحاً لذلك أكثر من أصول الفقه، مع ملاحظة أنه يحتاج إلى بعض التعديل ليناسب فضاء النص القرآني بشموله، ولا يقتصر على الأحكام الفقهية وقواعدها الواردة في القرآن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير