تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

محاولات قليلة جرت لاعتماد أصول الفقه أصولاً للتفسير، أما تعديل الأصول لتأهيله لدور التفسير المتعلق بكامل القرآن وليس آيات الأحكام فحسب فهو أكثر ندرة، فقد كانت المحاولة الأولى للمعلم عبد الحميد الفراهي (1280 - 1349ه) في النصف الأول من القرن الثالث الهجري في كتابه «التكميل في أصول التأويل»، حيث أفرده «لتمهيد أصول راسخة لتأويل القرآن إلى صحيح معناه، وهو علم مستقل عظيم المحل في التفسير، فإنه يدلك على المعنى المراد من كتاب الله، ومع ذلك هو فن عام؛ فإن قواعد التأويل تجري في كل كلام،» غير أن هذه الأصول «لم يحتج إلى تأسيس هذا الفن بالكلية؛ فإنك تجد طرفاً منه في أصول الفقه، ولكنه غير تمام،» وعلى هذا الأساس يلقي الفراهي على عاتقة مسؤولية «تكميل هذا الفن [الذي أسس الأصوليون طرفاً منه]، حتى يكون هو المعتمد في فهم كتاب الله وكل كلام حكيم،» ومن هنا جاء اسم كتابه.

في الواقع لم يكتف الفراهي بتأسيس قواعد لتأويل القرآن مشتقة من أصول الفقه، بل إنه طبقها في تفسيره «نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان،» فقد اعتبر كتابه مقدمة لهذا التفسير. ونلاحظ اعتماده على قواعد الأصوليين في كتابه «مفردات القرآن» وكتابه النفيس «دلائل النظام».

والمحاولة الثانية نجدها في دراسة خالد عبد الرحمن العك: «أصول التفسير وقواعده»، منطلقاً من أنه «على التحقيق فإن كل العلوم بكثرتها وبتعدد أقساها هي وسيلة لهذا العلم»، وقد استند إلى أصول الفقه الذي «لم يكونوا يعدُّونه من مادة التفسير، ولكنهم يذكرون أحكام الأوامر والنواهي والعموم، وهي من أصول الفقه، فيحصل أن بعضه يكون مادة للتفسير»، معتمداً في ذلك على ما كتبه الطاهر ابن عاشور في مقدمة تفسيره «التحرير والتنوير».

وقد حاول فعلياً التقعيد لأصول التفسير بالاعتماد على أصول الفقه، فجاءت نصف قواعده مستمدة من أهم أبواب الأصول في الدلالة: «اللغات» و «البيان»، غير أن ما جاءت به القواعد كانت هي القواعد الأصولية ذاتها دون تطوير لها بعد إدماجها في أصول التفسير، ولهذا لم تتغير حتى الأمثلة عن أمثلة الأصوليين، وفي أحد الأقسام (القسم الخامس) اعتبرت وكأنها متخصصة بالأحكام الشرعية، في الوقت الذي تصلح فيه للعموم. ومع ذلك فالمحاولة هذه تستحق التقدير، إذ تمثل خطوة أخرى تضاف إلى إدماج القواعد الأصولية في أصول التفسير.

ومن المحاولات في هذا المجال دراسة «الدلالات وآثرها في تفسير القرآن الكريم،» ولكن هذه الدراسة فعلياً لم تفعل أكثر من اقتطاع مبحث الدلالات اللغوية الأصولي ونقله إلى «مجالات تطبيقية في تفسير القرآن الكريم،» دون أي تطوير أو تعديل، إذ وجد الباحث أنه «غير منتفع بها في علوم القرآن و التفسير بالقدر الكافي»، منطلقاً من الاعتقاد بأن «كثيراً من مفاهيم أصول الفقه صالحة لأن تكون قواعد وفكراً في علوم القرآن، فأصول الفقه وعلوم القرآن يخرجان من مشكلة واحدة،» ولكن ما قام به عملياً ليس سوى تكرار ما كتبه الأصوليون حرفياً حتى بأمثلتهم ذاتها، مما يعني أنه لم يقدم دراسة تطبيقية فعلاً، ولا قدّم أي تطوير أو نقد للقواعد الأصولية ولا لكيفية استثمارها في النص القرآني.

في سياق هذه المحاولات أيضاً جاءت دراسة بعنوان «التفسير بالرأي: قواعده و ضوابطه و أعلامه،» وهي لا تختلف كثيراً عن المحاولة السابقة في اقتصارها على مبحث الدلالات الأصولي، سوى في أنه اعتبرها قواعد للتفسير بالرأي.

كما نجد في هذه المحاولات أيضاً دراسة بعنوان: «أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص: دراسة مقارنة بين أصول التفسير وأصول الفقه»، وهي لا تقصد بالمقارنةِ المقارنةَ بين العِلمين، بل الاقتراب واستثمار مادتهما لتفسير القرآن. وتركز الدراسة على أن «البحث الدلالي الأصولي -[ويطلق عليه المؤلف اسم «علم الدلالة»]- يتيح للعالم أن يصل إلى فهم كتاب الله عز وجل،» معتبراً أنه «ليس من المرضي بعد ذلك أن يقبل أي تفسير للنص لا يمر بهذا الغربال الدقيق؛» فالصلة بين علم الأصول وأصول التفسير ليست بعيدة أو ضعيفة، مما يجعل بحث البيان الأصولي يتوقف عليه فهم كتاب الله عز وجل. وانطلاقاً من ذلك وجد الباحث ضرورة لربط «علم أصول الفقه بعلم أصول التفسير» من خلال أحد مباحثه الرئيسية وهو علم «علم أسباب النزول»، والدراسة تسعى إلى تطوير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير