فالسياق يوضح أن الماحجة بالباطل كانت من الملك وسبب ذلك أنه اغتر بملكه ودعاه إلى الطغيان وتجاوز الحد وهذا دأب الإنسان حين يشعر بالقوة إلا من يعصمه الله بالإيمان، ومثله قول الله تعالى:
(أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)) سورة القلم
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[01 Sep 2009, 06:53 م]ـ
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة: 258)
تحليل السياق:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ)
وهذا تعجيب من أمر هذا الذي حاج إبراهيم، ثم بين العلة وراء محاجتة بقوله:
(أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)
ثم قال:
(إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)
وهذه الجملة توحي بأحد أمرين:
أحدهما: إما أن يكون المحاج سأل إبراهيم عن صفات الله فأجابه إبراهيم.
والثاني: أن يكون قد هدد هذا المحاج إبراهيم بالقتل فأجابه إبراهيم بأن الحياة والموت بيد الله، حينها أدعى المحاج هذه الصفة بقوله:
(أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)
وهذه الدعوى لا تصدر من ساذج، وإنما من مغرور ملبس.
ولهذا كان لزاما على إبراهيم أن يحقر هذا الغرور ويزيل التلبيس فقال:
(قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)
وهذا الخطاب لا يوجه ممن يملك إلى السذج من الناس، وإنما يوجه إلى من يغتر بقوته وملكه، كما حكى الله عن فرعون قوله:
(ونَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54))
ولو كانت المحاجة من ساذج لما كان لقول إبراهيم الأثر الذي بينه الحق تبارك وتعالى:
(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).
هذا والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.