تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وليس من السهولة الوقوف على البحور والأوزان التي أضافها العباسيون، سيما وان كثيرا منها لم يصلنا لمحاربتها فسقطت من أيدي الزمن فابن السميذع كما يخبرنا الأصفهاني كان يقول أوزاناً من العروض غريبة في شعره ولكن الأصفهاني لم يقع إليه منها شيء، ومثله رزين الذي اخذ عن ابن السميذع ابتكار الأوزان فأتى ببدائع جمة وجعل أكثر شعره من هذا الجنس (31)، إلا انه لم يصلنا غير قصيدة واحدة من هذا النوع وقد ذكرنا منها ابياتاً أعلاه.

كما إنهم لم يقفوا عند التجديد في الأوزان، بل جددوا في القوافي أيضا فكتبوا (المزدوجات) (32) و (المسمطات) (33) و (المخمسات) (34) فضلاً عن استحداث موسيقى داخلية " رغبة في توفير النغم وكلفاً بالمحسنات اللفظية" (35)، ومن ذلك

(التشطير) وهو أن يقسم الشاعر بيته إلى شطرين ثم يصرع كل شطر كقول أبي تمام:

تدبير معتصمٍ بالله منتقمٍ لله مقتربٍ في الله مرتقبِ (36)

و (التطريز) وهو أن يذكر الشاعر جملة من الذوات غير مفصلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب تعداد جمل تلك الذوات تعداد تكرار واتحاد لا تعداد تغاير كقول ابن الرومي:

كأن الكأس في يدها وفيها عقيق في عقيق في عقيقِ (37)

ولعل ما أضافه علم البديع يفوق الحصر كـ (صحة التقسيم) و (التذييل) و (التفويف) و (التوشيح) و (التسهيم) .. الخ.

وازدهار هذه الفنون دفع المحافظين إلى رد بعض هذه الفنون الى الجاهليين؛ وسنرى أن كل جديد يبتدع تحاول المؤسسة المحافظة إسقاطه أو إرجاعه إلى الجاهليين، فزعموا أن امرأ القيس كتب مسمطات نحلوها له منها:

يا صحبنا عرّجوا تقف بكم أسُجُ

مهرية دلُجُ في سيرها معجُ

طالت بها الرحل

فعرجوا كلهمْ والهمّ يشغلهمْ

والعيس تحملهم ليست تعللهمْ

وعاجت الرملُ

يا قوم ان الهوى اذا اصاب الفتى

في القلب ثم ارتقى فهدّ بعض القوى

فقد هوى الرجلُ

وقد أنكر المعري بشدة على لسان امرئ القيس أن يكون قد كتب مثل هذا الشعر الهابط عن مستوى شاعر الجاهلية الأول " لا والله ما سمعت هذا قط، وانه لقري لم اسلكه (38).

وواضح أن هذه الفنون جاءت من فارس (39) فهم لا يملكون النفس الطويل الذي يمتلكه شاعر القصيدة العربية التي تطول إلى الخمسين والمائة بيت فكانوا يغيرون القوافي، ولا سمعنا أو رأينا نمطاً كهذا في شعر الجاهلية والإسلام والدولة الأموية.

آلية عمل الخليل:

اشتغل الخليل على قضيتين لتحقيق غايته (العروضية) الأولى: التقليبات النغمية أو فكرة الدوائر العروضية، والثانية:

الزحافات والعلل. وفي الدوائر العروضية كرر محاولته في تقليب الكلمات تلك التي مارسها في قاموسه (العين)، وقد ظهرت عنده في (التقليب العروضي) بحور لم يكتب عليها الجاهليون ولم تتقبلها سليقة المعاصرين فزعم أن العرب أهملتها موحياً بمعرفتهم إياها. والحقيقة إن (المهمل) لم يكن اقتراحاً من الخليل لبحور جديدة ولكنها من مضاعفات عملية تدوير البحور وكأنه أراد أن يقول إن (المهملات) بحور تقع ضمن دائرة الوزن العربي إلا أنهم لم يستعملوها، واذا خرج بحر مستعمل سماه أو مستحدث مشهور تستطيع الدوائر بتقليباتها استيعابه ولو بحيلة كالجزء والعلل والزحافات التي اخترعها – كما سنوضح ذلك-، رده إلى الأوزان العربية ومنحه الشرعية فصار عربيا رغم أن العرب لم تعرفه مطلقاً وهي التي تقع ضمن الدائرة الرابعة (المشتبه) والخامسة (المتفق).

وعملية التدوير هذه أسقطت عشرات الأوزان التي لا تتأتى من (التدوير) فنادى علم العروض بشطبها وإسقاط شرعيتها كما ألجأته خطته إلى وضع الكثير من الزحافات والعلل من عندياته حيث تتيح له الحذف الواجب للتفعيلة الجزئي أو الكلي للوصول إلى البحر المقترح؛ فالمتدارك يأتي من قلب تفعيلات المتقارب (فعولن فعولن فعولن فعولن) مرتين فتصبح (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) مرتين وهذه مرحلة أولى لان البحر بهذه التفعيلات لا يشبه المستعمل لدى الشعراء وهو أن تأتي التفعيلة (فعْلن) أو (فَعِلُن)، وقد أورد الخليل أبياتاً تجريبية على الصورة الأولى وهي قليلة ومصنوعة مفتعلة وتدل على عدم وعي راسخ بنغمته، أما مجيئه على تفعيلتي (فعْلن) أو (فَعِلُن) وهو البحر المستعمل المشهور ففيه تنتحر كل قواعد الخليل العروضية وأدواته المقترحة؛ لان عليه أن يدخل على فاعلن مرة الخبن لتصبح (فَعِلُن)، ومرة القطع او التشعيث لتصبح

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير