تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(فاعل=ُ فعْلن). فكيف ذلك والخبن زحاف غير ملزم بينما على الشاعر التزامه هنا؟ والتشعيث او القطع علة فكيف تدخل الحشو (40)؟ وهذا الاضطراب لما وجد الخليل عجزه عن تفسيره ادعى أو ادعي عليه ان الأخفش هو الذي تدارك بهذا البحر على الخليل وليس هذا بصحيح (41) لان الخليل كتب ابياتاً تجريبية مرة على تفعيلة (فَعِلُن)، ومرة على تفعيلة (فعْلن) (42).

ومقلوب بحر الكامل يكون (مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن) لكل شطر والمفترض أنه (الوافر). ولكن العرب استعملت في عروضه (فعولن) بدل (مفاعلتن) فألجأه هذا إلى إيجاد علة اسماها (القطف) جعلها خاصة بالوافر تسقط السبب الخفيف برمته وتسكن متحرك السبب الثقيل الثاني فتنتقل (مفاعلتن) بفضل هذه العلة المبتدعة الى (فعولن) فيكون بحر الوافر. وللوصول الى بحر المجتث اضطر الى إسقاط تفعيلة كاملة لانه في الدائرة (مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن) فأسقط فاعلاتن الثانية وجعل الحذف وجوباً. وفي بحر المقتضب (مفعولات مستفعلن مستفعلن) لم يكفِ حذف التفعيلة الثالثة للوصول إلى البحر الحقيقي لأنه سيصبح (مفعولات مستفعلن) فالمستعمل هو الطي مع التفعيلتين وخاصة العروض ولهذا أفتى الخليل بان العروض مطوية دائماً والطي فيها ملزم والضرب مطوٍ ملزم كذلك (43). وهذا يوضح مقدار التكلف والتمحل والمط الذي بذله الخليل ليقترب بتنظيره من الواقع الشعري.

وجاءت تسمية البحور المستحدثة جزءاً من عملية مسخها وسلخها إذ ردتها التسمية إلى بحور عرب الجاهلية؛ فالمضارع سمي مضارعاً لمضارعته – أي مشابهته- الخفيف أو الهزج وقيل المنسرح، والمقتضب سمي مقتضباً لأنه اقتضب – أي اقتطع- من السريع أو المنسرح بحذف تفعيلته الأولى، والمجتث اجتث – أي اقتطع- من الخفيف (44).

التفعيلات وتضليلاتها:

ولعل المفاتيح النغمية أو التفعيلات العشر التي اقترحها الخليل والتي تعطي هوية كل بحر تعد حلقة من حلقات التضليل أحياناً فان أي بيت شعري يمكن أن يرد بعد وضع مفتاحه النغمي إلى البحور الخليلية، فبيتا أبي العتاهية الماران:

للمنونِ دائرات يدرن صرفها

هنَ ينتقيننا واحداً فواحداً

وهما على وزن (فاعلاتُ فاعلن)، وهو وزن لا ينطبق على احد بحور الدوائر أو مقلوباتها، ممكن أن يقطع على مفتاح آخر هو (فاعلن متفعلن) فيرد قسراً إلى مقلوب البسيط كما فعل شوقي ضيف (45).ومثله قوله:

عتبُ ما لليالي خبريني وما لي

فهي على وزن (فاعلاتن فعولن)، وهي خارج بحور الخليل أيضاً ولكن شوقي ضيف لما أراد أن يردها إلى المديد قطعها على (فاعلن فاعلاتن) ودمج كل شطرين بشطر فأصبح (فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن) فأصبح مقلوب المديد بتفعيلاته الأصلية. وكذلك قصيدة رزين العروضي التي أولها:

قربوا جمالَهُمُ للرحيل غدوةً أحبَّتك الأقربوكْ

فنغمتها (تُمْ تِتُمْ تِتُمْ تِتِتُمْ تُمْ تِتُمْ تُمْ)، وممكن أن تقطّع على (فاعلن مفاعلتن فاعلانْ) أو على (مفعلاتُ مستعلن فاعلانْ) وهي خارج دوائر الخليل كما تدل صور تفعيلاتها، ولكن شوقي ضيف جعلها عكس المنسرح (مستفعلن مفعولات مستعلن) إقحاما وفرضاً.

وبهذا الأسلوب من التمحل والمط القسري الذي هدى إليه الخليل، رد الدكتور السيد مصطفى غازي الموشحات الأندلسية إلى دوائر الخليل مستعملها ومهملها، وعد ما امتنع منها عليه تعقيدا في بنائها (46)، وإلحاحاً على هذا الرد إلى بحور الخليل كان الدكتور فوزي سعد عيسى يرد الموشحة أو المقطع منها إلى أكثر من بحر؛ كقوله عن بيت ابن سهل:

قد سر الحبيب أن أشقى وأنا راضٍ بما سرّه

"هو من الرجز المشبه بالسريع والمقتضب" (47). وما ابعد نغمات هذه البحور عن بعضها!!

والصحيح أن الكثرة الكاثرة من الموشحات لا تقوم على العروض الخليلي، بل لا تجري على وزن مطلقاً، وهم يضعفون الوشاح الذي يركب الأعاريض الخليلية، وأكد ابن سناء الملك المنظر للموشحات أنها تعتمد على الموسيقى والألحان وليس على البحور والأوزان بقوله:" ليس لها عروض إلا التلحين، ولا ضرب إلا الضرب، ولا أوتاد إلا الملاوي، ولا أسباب إلا الأوتار" (48).

والحقيقة القاطعة هي إن الوزن ليس (فاعلن) أو (فعولن) ولكنه إيقاع مستقل ذو زمن محدد وليس من المقنع القول باشتراك هذه الإيقاعات فقول الشاعر:

أشاقك طيف مامه بمكة أم حمامه (49)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير