المرجحات والقرائن على أن رضاع الكبير لا تنتشر به المحرمية غير ما سبق ذكره من النصوص والنقول:
المرجحات:
• أن راوية الحديث وهي عائشة – رضي الله عنها – هي التي روت لنا حديث " إنما الرضاعة من المجاعة " والقاعدة الأصولية تقول:
(العبرة بما روى الراوي لا بما رأى).
• أن عمل الصحابة جميعهم على خلاف عمل عائشة – رضي الله عن الجميع – كما نقل البابرتي – صاحب كتاب العناية – ولا يتفق في سُنةٍ أن لا يعمل بها أحد من الصحابة سوى واحد فقط مع بلوغها لهم (وفرق هنا بين الرواية والعمل).
• أن الخلاف عند أهل العلم قائم على عمل الصحابي الذي لم يوجد له مخالف من الصحابة هل يعتبر حجة أم لا؟ فما بالك بعمل لم ينقل عن أحدهم العمل به سوى عائشة – رضي الله عن الجميع – بل نقل مخالفتهم له , مع ورود الدليل وعلمهم به , كما هو الحال مع أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن -.
• أن القول بالإطلاق ينسبه القائلون به إلى حديث عائشة – رضي الله عنها – والقائلون بالتفصيل ينسبونه لحديث عائشة أيضا , فهنا يقع اضطراب في المآخذ والقاعدة الأصولية تقول
" إذا طرق الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال ".
ولعلي أكتفي بهذه المرجحات أما القرائن على أن رضاع الكبير خاص بسالم مولى أبي حذيفة – رضي الله عنهما -:
القرائن
• أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا لسهلة زوجة أبي حذيفة , ولم يقله لغيرهم مع أن أسامة بن زيد – رضي الله عنه وعن أبيه – هو أبن زيد بن حارثة والذي ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يدخل عليه في كل وقت وكان بالمنزلة العظيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان حِبه وأبن حِبه , ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرضاعة , وأوضح من ذلك أنس بن مالك – رضي الله عنه – خادمه الذي يخدمه في بيته ويطلع على بعض الأمور التي لا يطلع عليها غيره كحال الخادم مع مخدومه ولم يثبت هذا في حقه.
• أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة امرأة أبي حذيفة في إرضاع سالم كان بينه وبينها ولم يكن مشهورا حتى بلغته عائشة – رضي الله عن الجميع – ولو كان عاماً لكان إنتشاره أظهر من هذا.
• يحتج بعضهم بأنه لو كان خاصاً بسالم لكان في لفظ الحديث ما يدل على أنه خاص كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيار – رضي الله عنه – في التضحية بالعناق " نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك " , فذكر هنا أنها خاصة به دون غيره وفي حديث سهلة لم يذكر هذا , والرد على هذا أن قول النبي صلى عليه وسلم لأبي بردة كان من على المنبر كما في الصحيحين وهذا أمر عام ولو لم يبين أنه خاص بأبي بردة لبقي العموم على عمومه , أما حديث رضاع سالم فكان خاصاً بينه صلى الله عليه وسلم وبين سهلة ويبقى الخصوص على خصوصه.
• يستدل أصحاب القول بالتفصيل بجواز الإرضاع في حال المشقة كحال سالم وسهلة – رضي الله عنهما – وهذا التخصيص يحتاج إلى دليل والحال ليس دليلا يحتج به , وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما كان فيه مشقة ربما تزيد على المشقة الواقعة على سهلة وسالم ففي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت ". مع أن بعض أخوة الزوج من ليس لديه مسكن إلا مع أخيه , ومعلوم حال الصحابة في ذلك الوقت , وقلة ذات أيديهم , وصغر بيوتهم وحاجة أخو الزوج للدخول بيت أخيه في غيابه ظاهرة , فلو كان رضاع الكبير جائزاً بإطلاق أو حتى جائزاً بوجود المشقة , لرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولم يكن من هذا شيء.
(والقرينة الأخيرة أفدتها من كلام الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -).
وفيما سبق من الأدلة والنقول والقرائن والمرجحات يترجح القول بعدم جواز رضاع الكبير وأن واقعة سالم مولى أبي حذيفة (واقعة عين) وهي خاصة به – رضي الله عن أصحاب رسول الله -.
ذكر حافظ حكمي – رحمه الله –
¥