في عام 1979 في فترة حداثة السن وفي أحد دور القرآن الكريم بقريتي كان أحد المشايخ يدرسنا الفقه والتجويد. وقد حدث أن أعارني كتاب لسيد قطب وهو كتاب (هذا الدين). أخذت الكتاب على شرط العارية المضمونة المستردة. ولكنني ماطلت في إرجاعه حتى نسي الشيخ أمره. وبعد سنة من إعارتي للكتاب سافر الشيخ الى بلد بعيد. الى أفغانستان عندما كانت محتلة من قبل الروس. ذهب في مهمة إنسانية اغاثيّة. وظننته أنه سيعود عمّا قريب ولكنه طال انتظاره وبقي هناك بما يقارب 15 سنة. حتى أنني نسيت الكتاب ونسيت شروط العارية وآدابها. عاد الشيخ ولحيته تقطر شيباً بعد أن كان شاباً في الأربعين من العمر. لقد عاد في بداية التسعينات ورجع يمارس حياته الطبيعية بعد أن عاش كثيراً بين وادي سوات وجبال تورا بورا ردحاً من حياته التي ملئت برائحة المغامرة والموت.
قبل شهر واحد وبينما كنت أوضّب مكتبتي وأعيد تأهيل تصنيفها من جديد إذ وقعت عيني على أحد الكتب الصغيرة. فنظرت الى الكتاب وفتحت أول صفحة فيه فإذا به نفس الكتاب الذي استعرته قبل ثلاثين سنة. يا إلهي كأنه هو؟ نعم انه هو. وهذا توقيع شيخي واسمه ممهورين في أعلى أُولى صفحاته. وتاريخ شراءه ما زال عالقاً بمداده على ورقته الشاحبة.
بعد أسبوع واحد من هذه الحادثة وبينما كنت أقلب صفحات الجريدة اليومية.لفت انتباهي هذا الخبر: مكتبة في نيويورك تستعيد كتاباً كان اول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن قد استعاره قبل 221 عاماً. وقد تكشفت مسألة الكتاب المفقود حين كانت مكتبة مجتمع نيويورك تجري مراجعة لسجلات الاستعارة في الفترة ما بين عام 1789 وعام 1792 والتي ظهر فيها ايضاً أسماء مشاهير الى جانب أول رئيس أمريكي.وذكرت المكتبة في بيان أن سجلاتها للكتب المستعارة أظهرت أن الرئيس واشنطن استعار كتاب قانون الامم في الخامس من اكتوبر تشرين الاول عام 1789ولم يعد الكتاب للمكتبة كما لم تتلق اي غرامة عن تأخير اعادة الكتاب بعد انتهاء فترة الاستعارة المقررة وهي غرامة تصل الان الى نحو 300 الف دولار. يذكر أن المكتبة قد اعلنت في بيان ان أمر الكتاب المفقود ظل سراً طوال سنوات الى أن كشف عنه مؤخراً في مقال لصحيفة نيويورك ديلي نيوز.وانه بعد أيام معدودة من علمهم بالموقف عرض المسؤولون عن بيت الرئيس واشنطن في فرجينيا احضار نسخة من كتاب قانون الامم من نفس الطبعة وقدأقامت المكتبة احتفالا امس باستعادة الكتاب المفقود.
حينما قرأت هذا الخبر، قررت أن أعيد الكتاب أنا الآخر. رغم أنه لم يمكث عندي إلا ثلاثين سنة فقط. وبالفعل رفعت الهاتف وكلّمت شيخي وقرأت عليه القصة من أولها. ففرح غاية الفرح ليس لأنه أعاد كتابه الضائع ولكن فرح لأنه استعاد ذكرى طيبة من خلال ذلك الكتاب وتاريخ تملكه الذي يثبت قدمه وعتاقته. أدخلت الفرح والسرور الى قلب شيخي فكان ذلك غفراناً لي عن تأخري تلك السنين الطويلة والتي لم أرعى فيها خلق العارية وجلب الماعون. أما أنا فقد كانت فرحتي أيضاً لا توصف حينما أدخلت الفرح لقلب شيخي الذي احتملني كل تلك السنين وقابلني بابتسامته المميزة التي أخذها من صلب أخلاق (هذا الدين)
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[28 May 2010, 03:10 م]ـ
حياكم الله يا شيخ عبدالله، ويشهد الله أني أبادلكم حباً بحب، وإن لم أشرف برؤيتكم، وسروركم يسرنا غفر الله لكم، وأسأل الله أن يجمع القلوب المؤتلفة على أسرة الهنا. أما بالنسبة لعرضك المساعدة، فوالله ما أنساها لك أخي الحبيب، والأمر يسير عولج في وقته، سلمك الله وأبقاك.
وشكر الله لك أخي تيسير، يسر الله عليك كل عسير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[05 Jun 2010, 04:32 م]ـ
جاء في كتاب الرسائل المتبادلة بين محمد جمال الدين القاسمي، ومحمود شكري الألوسي، للشيخ محمد بن ناصر العجمي، ما يأتي:
أرسل الشيخ القاسمي، رسالة للشيخ الألوسي لما أهداه كتابه (غرائب الاغتراب) فقال:
صادف ليلة جاءني أن كُنتُ في صُداع، وقد عقد آلي حولي الاجتماع، وأنا أقاسي من الآلام ما يمنعني من الكلام، فلما ناولنيه شقيقي بعد العشاء رأيتني وقد سرى إليّ نسيم النشاط والشفاء، فغالبت نفسي، ونبهت لمطالعته قلبي وحسي، وقلت: لأتأسين بشيخ الإسلام الأنصاري؛ فقد كان يستشفي بمطالعة العلم ومذاكرة أُولي الفطنة والفهم، وبقيت أُسامره معظم الليل وهو يرق لي ويُنيلني من منادمته أعظم النيل، وقد أصبحت بحمد الله وما بي ألم.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[09 Jun 2010, 10:22 م]ـ
كتب الشيخ علي الطنطاوي ـ رحمه الله ـ في كتابه فصول في الثقافة والأدب:
من أراد متعة الأدب، وطلب جيد الشعر، وأراد الإحاطة بأخبار الشعراء والمغنين، للذة الأدبية وتقوية الملكة البيانية، فلا يجد كتاباً أجمع لهذا كله من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.وما منا إلا من كان (الأغاني) عُدته الأولى في إقامة اللسان وتجويد البيان، ولقد قرأته كله (وهو بضعة وعشرون جزءاً) ثلاث مرات، واستفدت منه في الأدب واللغة ما لم أستفد مثله في غيره. ص102
والخلاصة أن (الأغاني) كتاب من أعظم كتب الأدب، ولكن لا يجوز الاعتماد على صحة أخباره ولا يجوز أن يُنقل منه التاريخ، وصاحبه ـ على جلالة قدره في الأدب ـ رقيق الدين سيء السمعة بذيء اللسان، لا يوثق بروايته ولا بصدقه.فاقرؤوا كتاب (الأغاني) للمتعة الأدبية ولتقويم الملكة البيانية، ولكن لا تصدقوا كل ما يرويه فيه ولا تعتمدوا عليه.
¥