تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[12 Jun 2010, 10:20 م]ـ

كتب الشيخ علي الطنطاوي ـ رحمه الله ـ في ذكرياته الجزء الأول:

فأنا اليوم، وأنا بالأمس، كما كنت في الصغر أمضي يومي أكثره في الدار أقرأ، وربما مر علي يوم أقرأ فيه ثلاثمئة صفحة. ومعدل قراءتي مئة صفحة، ومن سنة 1340هـ إلى هذه السنة 1402هـ اثنتان وستون سنة، احسبوا كم يوماً فيها واضربوها بمئة تعرفوا كم صفحة قرأت.

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[14 Jun 2010, 01:00 م]ـ

كتب الشيخ عائض القرني في كتابه عاشق متحدثاً عن ذكرياته مع الكتاب:

بعد تجربة طويلة مع الكتاب، ورحلة عسيرة مع الأوراق، عدت بقناعة أن لا أوفى ولا أصفى ولا أحفى من الكتاب. الصديق يمل أو يعتب، أو يهجر، أو يجفو، أو يصد، أو يخون، أما الكتاب فلا ملل، ولا عتب، ولا هجر، ولا جفاء، ولا صدود، ولاخيانة. فلما تيقنت ذلك صحبت الكتاب، فهو على ذراعي إذا نمت، وعلى صدري إذا اضطجعت، وفي حضني إذا جلست، وتحت إبطي إذا مشيت. وبعد أن فارقت سن الطفولة، وزمن اللهو اتخذت الكتاب جليساً وسميراً وأنيساً، أُصبحُ والكتاب صاحبي، أُمسي والكتاب رفيقي، أنام وهو على صدري، أحتضنه وأنا أمشي، سلوت به عن الأهل والإخوان، وتشاغلت به عن كل صديق، تركت النزهة في البساتين من أجله، بل لقد مرّ بي زمن لم أخرج من بيتي من أجل المطالعة، ولقد أتى عليّ زمن وأنا أطالع الكتاب في وقت الأكل، آكل وأنا أقرأ، أمشي وأنا أقرأ، أرى زملائي يمرحون ويسرحون وأنا أقرأ، أشاهد اجتماع الناس، وفرحهم وطربهم وأنا مشغول بكتابي هائم بأوراقي.

ولقد كنت أقرأ في اليوم ما يقارب مائتي صفحة، وربما قرأت في اليوم مجلداً كاملاً، وربما كررت الصفحة عشر مرات، وأعيد المقطع من النثر حتى أحفظه، وأكرر القصيدة حتى أحفظها، وكنت أقرأ في التفسير حتى أملّ، ثم أطالع الفقه حتى أسأم، ثم آخذ في الأدب حتى أضجر، ثم أحفظ الحديث وأتلو القرآن وأنظر في التراجم، وأنشد القصائد، وأحياناً أؤلف وأختصر، وأحذف وأزيد، ولقد قرأت بعض الكتب عشر مرات، وجردت أمهات الكتب جرداً، وكنت أغلق عليّ الباب ومعي الكتاب، فلا أرتاح لسماع صوت، ولا لرؤية إنسان؛ لأنني في أعظم متعة وفي أجلّ لذة، وكنت أجعل الأيام للفنون، فمثلاً يوم السبت للعقيدة، والأحد للفقه، والأثنين للتفسير، والثلاثاء للحديث، والأربعاء للنحو، والخميس للأدب، والجمعة للسيرة، وكنت أسهر أحياناً إلى الفجر وأنا أطالع وأعيد وأكرر، ولقد مرت بي أعياد والكتاب في يدي، وربما قرأت وأنا في السيارة إذا ساق زميلي، فإذا قدت السيارة طلبت منه أن يقرأ، وكنت أصور المجلد الضخم في أجزاء وأكرر كلّ جزء، وأشتري من الكتاب الواحد عدة نسخ، وأضع نسخة في المجلس، ونسخة في غرفة النوم، وثالثة معي في السيارة، وكنت أطلب من بعض ضيوفي القراءة معي، حتى يحضر الطعام.

يتبع بإذن الله.

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[14 Jun 2010, 01:26 م]ـ

إذاً سنظل نردد قول الشاعر:

أعز مكان في الدنا سرج سابخ وخير جليس في الزمان كتاب

ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[15 Jun 2010, 12:50 م]ـ

ومن كثرة تكراري للكتب كنت أعرف موضع الترجمة والقصيدة، هل هي يمين الصفحة أو يسارها، وكنت أسهر والكتاب بيدي، فيسقط إذا نعست، فأقوم، فيسقط مرات كثيرة، ثم أنام وهو بجانبي وأحياناً أسمع حديث الناس بجانبي وأنا أقرأ، فلا أدري ما يقولون، وكنت أتعجب ممن لا يقرأ، وأرى أن حياته لا جديد فيها، وكنت لا أعجب بالرياضة أو المصارعة أو أي هواية أو سفر، إنما عجبي وتعلقي بالكتاب، وكانت الكتب أحب أصدقائي، بيني وبينها صداقة حميمة، فيها الجاد ككتب العلم، وفيها المرِح ككتب الأدب، وأنا مع الكتب لا أصبر على طعام، وأحب أن أنوّع وأغاير بينها، وكنت شغوفاً بشراء الكتب واقتنائها، أُذهب مالي فيها، وربما اقترضت، ولا أنزل إلاّ إلى المكتبات، وكنت أعجب من همم السلف في التأليف، وأنبهر من كثرة كتب ابن تيمية، وابن القيم، وابن الجوزي، والزهري، والطبري، وابن حجر، وابن كثير، وأمثالهم، وإذا حصلت على كتاب جديد مفيد فرحت به فرحاً شديداً، وكنت أغلق على كثير من الكتب، وربما سهرت في مكتبتي، ثم أنام بين كتبي، ومرة ذهبت إلى قريتي الريفية الجميلة في عطلة صيفية، فما خرجت من بيتي إلاّ للمسجد، أٌقرأ من بعد الفجر إلى السابعة صباحاً، ثم أنا إلى التاسعة، وأقرأ حتى صلاة الظهر، وبعد الظهر حتى القيلولة، وبعد العصر والمغرب والعشاء حتى أنام.

وكان يقدم لي الطعام وأنا أقرأ، وأجلس مع والديّ وأنا أقرأ، وقد نصحني بعض الزملاء أن أخفف على نفسي من القراءة خوفاً على بصري، فما استطعت أن أصبر عن القراءة، بل أحس بجوع شديد لها. ومما زادني حباً في القراءة مطالعة أخبار العلماء في التحصيل وطلب العلم خاصة كتب (صفحات من صبر العلماء لأبي غدة ـ صيد الخاطر لابن الجوزي ـ الفقيه والمتفقه للبغدادي ـ نيل الأرب للشوكاني). وكنت أكرر الصفحة الواحدة من (فتح الباري) ثلاث مرات، وإذا قرأت كتاباً وأعجبني وددت أن يطول وتكثر أوراقه، وقد خصصت أياماً كثيرة لكتب الجاحظ فقط، وأياماً لابن تيمية فقط، وأياماً لكتب ابن حزم فقط، فأثمر ذلك عندي من الرغبة الجامحة، والمحبة العارمة ما يفوق الوصف.

يتبع بإذن الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير