الكتاب، وقراءته لبعض المختارات منه، فانعطفت بالسيارة ورجعت إلى أبها مرة أخرى، وقلت في نفسي: أرجع لأبها فأتغدى هناك، ثُمَّ أبحثُ عن الكتابِ بعدَ العصرِ وأشتريه وأسافر للنماص مرة أخرى، ولن يفوتني شئ ذو بال، وسأقرأ الكتاب هذين اليومين حتى الجمعة.
وفعلاً رجعتُ أبها، وتغديت في أحد المطاعم، وانتظرتُ حتى أذن العصر ثم صليت قريباً من مكتبة تسمى مكتبة الجنوب، وكانت من أجود المكتبات في أبها ذلك الوقت، ولما فتحت المكتبة بعد العصر كنت أول داخل لها مع البائع وكان أخاً هندياً محباً للكتب يعرفني وأعرفه، فسألته عن الكتاب فأخبرني بوجوده وأحضر لي نسخة جديدة منه بتحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، وهي هذه النسخة بعينها مكتوبٌ عليها تاريخ الشراء ومكانه وكنتُ أيام عَوَزي الشديد أكتبُ ثَمنَ الكتاب أيضاً حتى إذا فترت عن القراءة تذكرتُ الثمنَ فأنشط للقراءة ...
http://www.tafsir.net/images/002.jpg
وجمعني ذلك الأسبوع في النماص مجلسٌ مع بعض الأصدقاء فذكرت لهم الكتاب، وقرأنا بعض ما فيه، ولم أعد يوم الجمعة لأبها إلا وقد قرأت الكتاب واستمتعتُ به أيما استمتاع، وكانت تعليقات محمد محي الدين عبدالحميد رائعة جداً، كلما ذكر ابن الأثير بيتاً من الشعر لأبي تمام أو البحتري أو المتنبي أو غيرهم يذكر في الحاشية مطلع القصيدة، ويعلق بتعليقات علمية مختصرة فيها شرح الغريب ونحو ذلك، وكانت طبعة المكتبة العصرية في بيروت عام 1411هـ.
ولم تزدني الأيام إلا محبة لهذا الكتاب، ومعرفة لقدره بين كتب الأدب، وأوصي به كل من يسألني، وقد قرأت بعد ذلك كتباً وبحوثاً عن ابن الأثير وكتابه هذا وبقية كتبه، واشتريت بعد ذلك طبعة بدوي طبانة والحوفي للكتاب، ولم تعجبني تلك الطبعة، لسوء الطباعة، مع أنه ملحق بها كتاب ابن أبي الحديد (الفلك الدائر على المثل السائر) وفيه نقد لابن الأثير في كتابه، ولم أدع بعدها كتاباً حول كتاب ابن الأثير إلا قرأته، مثل (نصرة الثائر) للصفدي، وأبحاث ندوة ابن الأثير التي عقدت في الموصل وغيرها، والكتاب عمدة من عمد كتب الأدب أنصح به كل من يحب الأدب والقراءة والرغبة في تحسين أسلوبه في النثر والشعر، ونثر المنظوم، ونظم المنثور، وهناك كتاب بهذا العنوان لابن الأثير أيضاً، وهو أديب رائع متمكن، مع بعض الغرور فيه رحمه الله وغفر له.
وكان كل ذلك بسبب ذلك البرنامج الإذاعي الذي سَمعتهُ مِن عدنان صادق الدبسي، وأرجو أن يكون ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة، وهو لا يعرفني وأنا لم أره قط وإِنَّما أحببته من خلال صوته، وأسأل الله العظيم أن يغفر له ولكل من تعلمنا منه علماً، وأن يجمعنا بهم في جنات النعيم، والحمد لله على فضله وإحسانه وتوفيقه.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[31 Jul 2010, 02:35 ص]ـ
لله ما أجملك وأبهاك، ولا أحسب وضاح اليمن إلا يقصدك يوم قال:
تَفتَرُّ عن منطقٍ تَضنُّ به
يجري رضاباً كذائب العسل
أو كشاجم حين قال:
وإذا نمنمت بنانك خطاً
معرباً عن بلاغة وسداد
عجب الناس من بياض معان
تُجتنى من سواد ذاك المداد
فا الله يحفظك ويرعاك وزدنا زادك الله من فضله:
ولأخلصن لك الدعاء وما أنا
أهل له ولعله أن يقبلا
وأختم بهذه المداعبة اللطيفة من ابن خاتمة الأنصاري:
يا ساكناً قلبي المُعَنّى
وليس فيه سواك ثان
لأي شيء كسرت قلبي
وما التقى فيه ساكنان
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[02 Aug 2010, 09:24 م]ـ
يتحدث الأستاذ عبدالله الهدلق في كتابه الماتع ميراث الصمت والملكوت ـ وهو مجموعة مقالات كتب أكثرها في مجلة الإسلام اليوم ـ عن بداياته في القراءة:
درست السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية في مدينة دبي حيث كان والدي يعمل مدرساً في إحدى مدراسها موفداً من وزارة المعارف آنذاك. كان تلفزيون دبي يعرض برنامجاً لطيفاً للأطفال اسمه: (كليلة ودمنه) يحرك بالعرائس. دخلت يوماً مكتبة تجارية كانت مجاورة لمدرسة عمر بن الخطاب التي أدرس فيها؛ فوقع بصري على كتاب عنوانه كليلة ودمنة فاستهواني هذا التشابه في الأسماء، ولما نجحت من الثانية الابتدائية إلى الثالث خيرني والدي ـ جزاه الله خيراـ في هدية النجاح (لست مدللاً إلى هذه الدرجة، فقد ضربت ضرباً يشبه ضرب الفِراش لنفض الغبار عنه!) فطلبت منه نسخة من هذا الكتاب بعد أن أخبرته أين شاهدته، فذهب بي إلى المكتبة، ولما أنزل البائع الكتاب من على الرف صعقت لحجمه وغاضت فرحة الهدية، وخجلت من والدي أن أتراجع، فذهبتُ به إلى البيت أقلبه لا أكاد أفهم من قصصه الرمزية شيئاً.
لكن كانت هذه هي بداية الرّحلة، ثم إني ترددت على مكتبة المدرسة لما انتقلنا إلى الرياض في السنة الرابعة الابتدائية وما بعدها، وأسعدني الحظ فوقفت على أعمال الأديب الكبير كامل الكيلاني موجهة إلى الأطفال مشكولة الكلمات، فوسعت قراءتها الخيال لديّ، ونمت السليقة اللغوية، لكنها كانت أرفع من مستوى الطفل (قرأتُ فيما بعد أن هذا مما أُخذ على مؤلفات كامل الكيلاني) إلا أن كثيراً من ناشئة العرب في أيام سالفة قد تخرجت بتراث هذا الأديب الكبير الذي جُهل قدره اليوم.
ما زال عندي ـ بعد ثلاثين سنة ـ بعض هذه الكتيبات التي استعرتها من مكتبة المدرسة، ولن أُعيدها إلى وزارة التربية والتعليم إلا بحكم قضائي!
وهكذا في مكتبة المتوسطة وأوائل الثانوية، ثم انقطعتُ عن القراءة في المراهقة عدة سنوات بائسات، فلما كنت في الحادية والعشرين من العمر فتحتُ باب المكتبة وأغلقتُ باب الدنيا ورائي.
يتبع بإذن الله.
¥