الحذر في عدم استعجالها أو استحثاثها ضروري من قبل الذين يتوسمون فيها الخير.
رابعا: حكومة أردوغان معنية بتحقيق أكبر قدر ممكن من النمو الاقتصادي من أجل أن تثبت للناس جديتها وحرصها على المواطن التركي وتحسين ظروف معيشته. المنافسة في الداخل التركي قوية، ودائما هناك سلاح الانتخابات، ومن المهم أن يكون النجاح الاقتصادي أحد العناصر المقنعة للجمهور التركي.
على المستوى الخارجي
هناك العديد من المعوقات الخارجية التي تحد من تسارع الدور التركي أذكر بعضها:
أولا: أغلب الأنظمة العربية تشكل عائقا أمام تركيا لأن هذه الأنظمة تكره التغيير، وترى في "إسرائيل" عنصر استقرار في المنطقة. أنظمة العرب عموما تعادي من يبحث عن التغيير، وهي بالتالي تجد نفسها عن عمد أو غير عمد حليفة "لإسرائيل"، ومثلما وقفت هذه الأنظمة ضد إيران وحزب الله، فإنها ستقف ضد تركيا بوضوح فيما إذا تجاوزت الخطوط الحمراء في معاداة "إسرائيل".
ثانيا: تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وللحلف ضوابط ومواثيق لا تستطيع أن تخرج عنها تركيا تماما، ومنها إقامة علاقات تعاون عسكري مع "إسرائيل". ربما تستطيع تركيا الآن أن توقف أي تعاون مباشر مع "إسرائيل"، لكنها في النهاية تجد نفسها مرغمة على ذلك من خلال الحلف. هذا علما أن الأطلسي يحتفظ بأسلحة في تركيا منذ عهد الاتحاد السوفييتي المنهار، وللأمركيين نفوذ واسع حتى الآن.
ثالثا: "إسرائيل" دولة قوية عسكريا، وهي تستطيع إلحاق أذى كبيرا بتركيا فيما إذا حصلت مواجهة. لا أرى أن تركيا تبحث عن مواجهة عسكرية، لكنني أقول ذلك حتى يعيد المبالغون في الخطوات التركية التفكير في مبالغاتهم. تركيا تشتري أحيانا أسلحة من "إسرائيل"، وتقيم معها مناورات مشتركة، الخ. صحيح أن تركيا قامت بخطوات جريئة وشجاعة، لكنها ليست بصدد تجاوز الخطوط الحمراء الآن مثل قطع العلاقات نهائيا مع "إسرائيل"، أو ضرب سفينة "إسرائيلية" مقابل السفينة التركية. عملية استحثاث تركيا أو رفع سقف التوقعات منها قد يؤثر سلبا على تركيا نفسها.
رابعا: ما زالت الحكومة التركية بصدد وضع أسس جديدة للتعامل مع جيرانها ومع أعدائها التاريخيين مثل أرمينية. إنها تقوم بحملة تجديد علاقات وتحسينها مع العرب وغير العرب من أجل صناعة أجواء جديدة في المنطقة العربية الإسلامية، وهي لا يمكن أن توظف وقتها للصراع مع "إسرائيل" في حين أن رؤيتها في إعادة ترتيب هذه العلاقات لم تكتمل.
الظهر التركي
على الرغم من كل المعوقات والعراقيل التي تواجهها تركيا إلا أن ظهرها قوي بالعناصر التالية:
أولا: الحكومة التركية مسنودة بشعبها في مواجهة السياسة "الإسرائيلية" ضد الفلسطينيين، وهي حكومة منتخبة متفاعلة مع شعبها، وموقفها هو الموقف المعبر عن الإرادة الشعبية. ومن الصعب جدا أن تجبن أو تهزم حكومة تتسلح بمواقف شعبية صلبة ومؤمنة بما تدافع عنه.
ثانيا: الشعوب العربية تساند الحكومة التركية وتعطيها ثقتها، وإذا احتاجت تركيا مواقف عربية شعبية، فإنها ستلاقي استجابة واسعة في الشارع العربي. الموقف الشعبي العربي يتناقض مع المواقف الرسمية العربية، ويشكل كابحا لمعاداتها لحكومة أردوغان.
ثالثا: تقف سوريا وإيران بقوة مع تركيا، وإذا كان لتركيا أن تتعرض لأذى فإنها تستطيع الاعتماد على هاتين الدولتين.
رابعا: استطاعت تركيا أن تبني لنفسها عددا من الصداقات مع عدد من الدول الهامة مثل البرازيل وفنزويلا والجزائر، وأن تجعل من نفسها عنوانا رئيسا لأحرار العالم والمدافعين عن حقوق الإنسان. لقد خطت خطوات هامة على مستوى بناء علاقات عالمية تشكل قوة دفع لها ولشعبها.
بناء العرب الداخلي
أغلب العرب يتقدمون لتركيا بالشكر الجزيل على ما تقوم به، وأغلبهم يقول أيضا إن تركيا تقوم بواجبها المقدس، وهي بهذا تختلف عن حكومات العرب التي تتجه دائما نحو تحسين العلاقات مع "إسرائيل". لكن يجب ألا ينقلب هذا الشكر إلى عبء على تركيا، أو تحميلها أكثر مما تحتمل. تركيا في النهاية ذات قدرات محدودة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، ومن الممكن أن تئنّ فيما إذا قرر خصومها نقل العداء نقلة نوعية تؤثر على بنيتها العسكرية والاقتصادية.
الشكر لتركيا يمكن أن يكون له معنى قوي فيما إذا قررنا نحن الشعب دعم تركيا بالأفعال وليس فقط بالهتاف. نحن العرب نتحمل مسؤولية طرد سفراء "إسرائيل" من البلدان العربية، وإغلاق مكاتبها التجارية، ومقاطعة بضائعها، ووقف التطبيع معها. ونحن العرب نتحمل مسؤولية وقف المفاوضات والإعداد لردع "إسرائيل" حتى لا تجرؤ على الاستمرار في عدوانيتها، وحتى تعترف بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطينية. وفوق ذلك مطلوب من الشعوب العربية أن تتحرك ضد حكامها الذين يحاصرون غزة. ليس من المعقول أن نصفق فقط لتركيا لأنها تريد رفع الحصار عن غزة، في حين أننا نرى حكومة العرب تمارس ما هو أشنع من ممارسات "إسرائيل" ضد غزة.
إذا كنا نرى في الطيب أردوغان رجلا، فعلينا أن نكون نحن رجالا، ولا أظن أن أشباه الرجال يشدون عضد تركيا. وإذا كنا نرى في نساء تركيا المجد فإن على نسائنا أن يكن ماجدات أيضا. علينا أن نشمر عن سواعدنا، ونقرر أن تغيير ما نحن فيه لن يتم إلا من خلالنا، وأن هزيمة العرب لا تتحقق إلا بجهودهم التي لا يبذلونها، وأن حكامهم ليسوا على قدر المسؤولية إن لم يكونوا حلفاء المعادين. فهل ننصر تركيا كما تحاول أن تنصرنا؟
تركيا تواجه ورئيس سلطة رام الله يصر على المفاوضات، ووزير خارجيته يقول إن وقف المفاوضات عبارة عن هدية ثمينة لإسرائيل.
أما كبرى الدول العربية فاكتفت بفتح مشروط لمعبر رفح. فإذا كان الهتاف لتركيا ضروري، فإن الهتاف لسقوط أنظمة عربية أكثر ضرورة.
المفكّر الفلسطينيّ المتميّز
الدّكتور عبد السّتّار قاسم
6/حزيران/2010
¥