وإذا ما انتقلنا إلى الصعيد الدولي أو العالمي لنرى نظرة الدولة الديمقراطية وتعاملها مع الشعوب والدول الأضعف منها، نجدها نظرة لا أخلاق فيها ولا أمانة ولا حق ولا عدل ولا حرية؛ ولو كانت الأخلاق أو الأمانة أو الحق أو العدل أو الحرية عناصر أصيلة في النظام الديمقراطي لظهر ذلك في تعامل الأنظمة الديمقراطية مع الشعوب والدول الضعيفة.
فمثلاً: الدول الغربية التي استعمرت الدول العربية وأكلت خيراتها ونهبت ثرواتها وقتلت أبناءها كانت ومازالت دولاً ديمقراطية ترفع شعار الديمقراطية وتتغنى به، فهل كان في الديمقراطية خلق أو أمانة أو عدل أو حق أو حرية أو غير ذلك مما يتشدق به دعاة الديمقراطية يحجز تلك الدول الديمقراطية عن الفتك بدول أضعف منها بغير ذنب ولا جريرة؟!
ولننظر الآن من يقف من دول العالم وراء دولة اليهود التي تقتل المسلمين في فلسطين وفي غيرها، ومن يعطيها السلاح الذي تقتل به وتحتل وتغتصب أرض المسلمين، ومن يعينها على ذلك ويقدم لها المعونات الاقتصادية والهبات المالية!! أليس الذين يفعلون ذلك هم الذين يرفعون شعار الديمقراطية؟!).
(ولكن الذي نحب أن يعلمه الجميع في هذا المقام .. أمرين:
أما أولهما: فإنه في النظام الديمقراطي نجد الحقوق والحريات حسنها وسيئها نافعها وضارها مختلطة بل ممتزجة غير قابلة للفصل، فالأساس الذي يُبنى عليه إجازة الحسن الطيب من الحقوق والحريات هو نفس الأساس الذي يبنى عليه إجازة السيئ القبيح من الحريات والحقوق.
وأما الأمر الثاني: فإننا حيث دعوناك إلى الكفر بالنظام الديمقراطي والبراءة منه وعدم قبوله والرضى به، فما أردنا بذلك أن نَرُدك إلى قبول النظم الظالمة المستبدة التي تنزل بأهل بلادها وشعوبها من ألوان الظلم والطغيان ما الله به عليم، وإنما أردنا بذلك أن نردك إلى النظام الإسلامي نظام الحق ونظام العدل ونظام الخير؛ النظام الذي تكون فيه الحقوق والحريات مبنية على إذن الله العلي الكبير ورضاه الذي يُعرف من نصوص الوحي المعصوم: الكتاب والسنة. ومن منطلق هذا الإذن والرضى فإن الحقوق والحريات في النظام الإسلامي تكون خيراً خالصاً مبرّءاً من العيب أو القصور، وتكون أيضاً حريات وحقوقاً لصالح الفرد ولصالح الجماعة في توازن لا جور فيه، وتكامل لا تناقض فيه).
فمن هذه الوسائل: زعمهم أن الإسلام ليس فيه نظام سياسي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من عمله إقامة دولة وإدارتها، وأن عمله لم يتجاوز حدود البلاغ والإنذار المجرد من كل معاني السلطان، وأن الخلافة ليس لها سند من الدين، وأن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت بيعة سياسية ملكية قامت على أساس القوة والسيف، وإن الإسلام بريء من تلك الخلافة التي يعرفها المسلمون، وأنه لا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا نظام الخلافة ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم.
كانت تلك إحدى وسائلهم؛ وهي إنكار النظام السياسي في الإسلام جملة، وكانت هذه الكلمات السابقة هي مجمل ما افتراه على النظام السياسي الإسلامي الشيخ علي عبدالرازق القاضي الشرعي في كتابه: "الإسلام وأصول الحكم"، وممن قفا قفوه في إنكار النظام السياسي الإسلامي الكاتب: خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نبدأ"
لكن بفضل الله وحده وقف لهم العلماء بالمرصاد وبينوا كذبهم وافتراءهم ومخالفتهم للنصوص القاطعة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولهذا لم يكن عجباً أن تعقد جلسة محاكمة للشيخ علي عبدالرازق من قبل شيخ الأزهر وباجتماع هيئة كبار العلماء ويتم فيها إخراجه من زمرة العلماء. والحقيقة أن الذي أتاه علي عبدالرازق يخرجه من زمرة المسلمين لا من زمرة العلماء فقط.
وقد خَفَتَ بحمد الله هذا الصوت بل مُحق، فلم نعد نسمع به، ولم يعد أحد يجرؤ على ترديده بعدما تبين عواره وبعدما افتضح أمر الداعين إليه، وأنهم إنما كانوا يرددون كلاماً نقلوه من كلام أعداء الإسلام.
¥