تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهذه بعض الأسباب التي تحضرني الآن مما يحمل أنصار السنة على الدعوة إليها، وإيثارها على خلافها، فكيف لا يدعون الناس إليها ويرغبونهم في الاهتداء بهديها، والاستنارة بنورها؟ بل كيف لا يفدون أرواحهم في سبيلها؟

فالعجب ممن يريد أن يصدهم عنها، ويحملهم على تركها إلى التمسك بالمذهب، مع أن إمامه يأمر بالرجوع لها، وتسليم القياد لها، هيهات هيهات!

6 - بيان ما في كلام الأستاذ الطنطاوي من المآخذ:

بعد هذا نعود فنذكر ما بدا لنا من المآخذ في كلام الطنطاوي فأقول:

1 - قال الشيخ: " وآخر يرى الإسلام في ترك المذاهب كلها، والعودة إلى السنة ".

أقول: أما العودة إلى السنة فحق واجب، وقد سبق بيان أسباب ذلك في الفصل السابق، وأزيد هنا فأقول: إنه يجب على كل مسلم أن يستجيب لدعوتهم هذه إن كان مؤمناً حقاً، فقد قال تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون) وقال في المنافقين: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) وقال (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا). إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، وهي معروفة، وانما أوردنا بعضها للذكرى.

فلا حجة لأحد في أن لا يستجيب لدعوتهم هذه، فكيف في الإنكار عليهم بسببها؟ ولئن كان بعض الناس يزعم أن الدعاة إليها ليسوا أهلاً من الوجهة العلمية للقيام بها - كما قد يشير لهذا قول الشيخ في الفقرة الآتية، فهذا -لو صح- ليس بمسوغ لهم أبداً أن يردوها عليهم، لأن الحق يجب قبوله، ولا يجوز رده مهما كان مصدر، وهذا شيء بين لا يحتاج إلى تدليل.

ثم إنهم لو كانوا صادقين في ذلك الزعم، لبادروا إلى بيان ذلك للناس، بضرب أمثلة يظهرون بها جهل هؤلاء الدعاة بالسنة وسوء فهمهم لها، حتى يعرفهم الناس ويجتنبوهم ولا يغتروا بدعوتهم إلى السنة! ولكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك، ولعلهم لن يفعلوا، والسبب معلوم لديهم، وعند أهل العلم من غيرهم!

7 - رأي دعاة السنة في المذاهب:

وأما ترك المذاهب كلها، فعزو هذا إلى الدعاة إلى السنة لا يخلو مما يوهم خلاف ما هم عليه، ودفعاً لذلك أرى أنه لا بد من بيان رأيهم في المذاهب وموقفهم منها فأقول:

من المعلوم عند العلماء أن المذاهب الأربعة وغيرها ليست آراؤها متفقة في كل الأحكام الشرعية، بل هي فيها على ثلاثة أقسام:

1 - قسم منها متفق عليه، كتحريم التشبه بالكفار -مثلاً-.

2 - وقسم فيه خلاف، ولكنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، مثل أدعية الاستفتاح والتشهد.

3 - وقسم فيه اختلاف شديد لا يمكن الجمع بين الآراء المختلفة فيه بوجه من وجوه الجمع المعروفة لدى العلماء، مثل: مس الرجل المرأة ونقض الوضوء به، فإن فيه ثلاثة أقوال مشهورة: النقض، وعدمه، والفرق بين أن يكون المس بشهوة فينقض وإلا فلا.

وإذا كان الأمر كما فصلنا، فكيف يعزو الشيخ للدعاة إلى السنة أنهم " يرون ترك المذاهب كلها "! مع أن هذا الترك يستلزم الإعراض عما فيها من الحق المسلم به لديهم؟! أليس هذا من الأدلة الكثيرة على أن الشيخ لا يتحرى الصواب حين يتهم خصومه في الرأي بما هم براء منه؟

ولعلم أنصار السنة بما سبق من التفصيل يضطرون إلى أن يبحثوا عن الحق في المذاهب كلها، ليس خارجاً عنها، ولا في مذهب معين منها، وهذا البحث قد بين لهم فضل أئمة المذاهب، وعلمهم، ودقة فهمهم للكتاب والسنة، وتنبهوا بسبب ذلك لكثير من دقائق المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة، فاستفادوا بسببهم علوماً كثيرة في أوقات يسيرة، لولاهم لما وصلوا إليها، فجزاهم الله عن المسلمين خيراً.

ولهذا فإن أنصار السنة أعرف بفضل الأئمة وعلمهم من أتباعهم الذين يقلدونهم على جهل بطرق الاستنباط والاستدلال، والله تعالى يقول: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير