تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا، ثم إن الدعاة إلى السنة لما تبين لهم بعد البحث في المذاهب أن فيها الخلاف المذكور في القسم الثالث، لم يجيزوا لأنفسهم أن يتمسكوا بمذهب معين فيها، لأنهم علموا أن الصواب في الخلاف المذكور ليس محصوراً في مذهب واحد منها، بل هو مشاع بين جميعها، فالحق في المسألة الفلانية في المذهب الفلاني، وفي المسألة الفلانية في المذهب الفلاني وهكذا سائر المسائل، فلو أنهم تمسكوا فيها بالمذهب لأضاعوا كثيراً من الحق الوارد في المذاهب الأخرى وهذا لا يجوز عند مسلم عارف.

ولما كان لا سبيل لمعرفة الحق مما اختلف فيه الناس إلا بالرجوع إلى السنة على ما بيناه فيما سبق، جعلها الدعاة إلى السنة الأمل الذي يرجعون إليه، والأساس الذي يبنون آراءهم وأفكارهم عليه.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لما كان الأئمة قد بذلوا جهوداً مشكورة في سبيل توضيح السنة وتقريبها للناس وبيان الأحكام الممكن استنباطها منها، فإن الدعاة إلى السنة لا يسعهم إلا الاستفادة من علمهم والاستعانة بآرائهم على فهم الكتاب والسنة، وبذلك يجمعون بين المحافظة على الأصل (السنة) وبين تقدير الأئمة قدرهم اللائق بهم، وذلك مما وصى به السلف أتباعهم، فقال عبد الله بن المبارك -رضي الله عنه-: " ليكن الأمر الذي تعتمدون عليه هذا الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث " (11).

ذلك رأي الدعاة إلى السنة في المذاهب، وذلك موقفهم من أئمتها، فهل فيه ما يحمل المنصف على الطعن بهم والتنفير منهم؟ أم ذلك ما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم عرف الفرق بين كلام المعصوم وكلام غيره، ثم لم ينس الفرق بين الغاية والوسيلة؟

8 - التقاء الطنطاوي مع الدعاة إلى السنة في ترك المذهب اتباعاً للسنة:

بعد هذا البيان أستطيع أن أقول: إن موقف الصديق الطنطاوي من المذاهب لا يختلف كثيراً عن موقف دعاة السنة منها، ذلك لأن الطنطاوي يرى الخروج من المذهب جائزاً، بدليل إنكاره في مقاله هذا " مشكلة " على من " يرى الإسلام في اتباع مذهب من المذاهب الأربعة والوقوف عندما أفتى به متأخرو فقهائه. . . " ويؤيد هذا قوله في مقدمة كتاب " قانون الأحوال الشخصية " (ص / 6):

" ومن السياسة الشرعية أن يفتح للناس باب الرحمة من الشريعة، ويؤخذ من غير المذاهب الأربعة، ما يؤدي إلى جلب مصلحة عامة أو دفع ضرر عام ".

وعلى هذه السياسة جرى حضرة الصديق في " مشروع الأحوال الشخصية " الذي تحدث عنه في المقدمة المذكورة، فخالف فيه مذهبه الحنفي في مسائل كثيرة، أكتفي بذكر مسألتين منها على سبيل المثال:

1 - قال الشيخ في المقدمة (ص / 5): " وقد عدل المشروع عن المذهب الحنفي الذي يحدد أقل المهر بعشرة دراهم إلى المذاهب الثلاثة التي لا تجعل لأقله حداً ".

2 - ثم قال فيها (ص / 6 - 7): " نص أيضاً (يعني المشروع) على وقوع طلقة واحدة بالطلاق المقترن بعدد لفظاً أو إشارة أخذاً بما رواه مسلم في صحيحه من أن طلاق الثلاث كان يقع واحداً على عهد رسول الله (ص) إلخ. . .) وبرأي ابن تيمية ".

والواقع أن حضرة الشيخ الطنطاوي قد وفق للصواب فيما ذهب إليه في هاتين المسألتين، وقد بين هو في المسألة الأولى خلافه للمذهب الحنفي، وذهابه إلى المذاهب الثلاثة.

وأما المسألة الأخرى فخلافه فيها أشد لأن أحداً من أئمة المذاهب الأربعة لم يأخذ بحديث مسلم الذي ذكره هو، وان أخذ به غيرهم من الأئمة.

وما ذهب إليه الشيخ في هاتين المسألتين، هو مذهب الدعاة إلى السنة، قبل أن يكتبهما الشيخ في مشروعه بسنين.

وقد رأيت أنه في المسألة الثانية إنما ذهب إلى خلاف الأئمة الأربعة أخذاً بالحديث وبرأي ابن تيمية، وهذا هو عين ما يصنعه الدعاة إلى السنة، فإنهم يأخذون بالحديث الصحيح مدعمين فهمهم إياه بتبني بعض الأئمة له كابن تيمية ومن قبله من أئمة الفقه والحديث، فما بال الشيخ ينكر عليهم هذا وهو معهم فيه فعلاً؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير