تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قد يقال: إن المذهب لابد له من دليل ولكنا لا نعلمه، فنقول:إذا كان الأمر كما تقول فكيف يجوز لمسلم أن يترك الدليل الذي عرفه وهوحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لدليل لا يعلمه، وقد يكون لو علمناه قياساً أو استنباطاً من عمومات أو كليات الشريعة لا ينهض تجاه الحديث إذ لا اجتهاد في مورد النص، واذا ورد الأثر بطل النظر، واذا جاء نهر الله بطل نهر معقل؟

هذا التقليد الذي هو رد الحديث انتصاراً للمذهب ونحوه هو الذي يحرمه دعاة السنة، ويدعون المسلمين جميعاً إلى الخلاص منه، بالرجوع إلى اتباع السنة أينما كانت، وفي أي مذهب وجدت.

وأما تقليد المسلم من هو أعلم منه حين لا يجد نصاً عن الله ورسوله، أو حين لا يمكن الفهم عنهما فليس مما نحن فيه، بل لا يتصور أن يقول بتحريمه مسلم، لأنه مضطر إليه، والضرورات تبيح المحظورات، ولولا ذلك لصار الدين هوى متبعاً -والعياذ بالله تعالى-. ولهذا ذكر العلماء: " إن التقليد إنما يباح للمضطر، وأما من عدل عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وعن معرفة الحق بالدليل مع تمكنه منه إلى التقليد، فهو كمن عدل إلى الميتة مع قدرته على المذكى، فإن الأصل أن لا يقبل قول الغير إلا بدليل إلا عند الضرورة " (16).

10 - الفرق بين التقليد والاتباع:

ولا يليق بالعاقل البصير في دينه أن يفهم مما سبق من بيان تحريم التقليد، أن الاجتهاد واجب على كل مسلم مهما كان شأنه في العلم والفهم، فإنه خطأ بين، ويظهر أن الشيخ سبق إليه هذا الفهم مما بلغه من تحريم دعاة السنة للتقليد، فاستلزم من ذلك أنهم يوجبون الاجتهاد على كل مسلم، مهما كانت منزلته في العلم، وذلك واضح من كلمته في هذه الفقرة وهو قوله: " وجب عليه الاجتهاد وحرم عليه التقليد " فجعل الاجتهاد مقابل التقليد! وهذا خطأ بين عندنا، لأن الذي يقابل التقليد المحرم، هو الاتباع الواجب على كل مسلم، وبينهما فرة ظاهر، قال أبو عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي:

" التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما يثبت عليه حجة، وقال في موضع آخر: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ، والتقليد ممنوع " (17).

وأما الاجتهاد فمن المعلوم أنه " بذل الوسع لمعرفة الحكم من كتاب الله وسنة رسوله " ولا شك أنه فرض كفائي لا يجب على كل مسلم، بل لا يستطيعه إلا القليل منهم، بل قد ندر المجتهدون اليوم بسبب غلبة التقليد على العلماء والقيود التي وضعوها للمجتهد، ومن العجائب أن الذين اشترطوا تحقق تلك الشروط في العالم حتى يسوغ له الاجتهاد هم من المقلدة الذين لا يدينون إلا بما قال إمامهم! فهم في الواقع متناقضون، يمنعون الاجتهاد ويوجبون التقليد، ثم هم يجتهدون ولا يقلدون، وليتهم إذا اجتهدوا أصابوا الحق ولم يخطئوه!

ويطول بنا المقام لو أردنا أن نذكر الأدلة على ذلك، فأكتفي بمثال واحد يراجع في التعليق (18).

والذي أراه أن (الاجتهاد) ليس عسيراً كما يظن البعض بل هو ميسور لمن كان عنده أهلية الخطاب، وفهم أدلة ما يحتاجه من أدلة الكتاب والسنة، وبتعبير آخر إن الذي عنده أهلية لفهم كتب المذاهب وعباراتهم، سيما ما كان منها للمتأخرين فإنها تشبه الألغاز أحياناً، يستطيع أن يفهم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإنهما بدون ريب أبين وأوضح من كل ما سواها من الكلام، خصوصاً إذا استعان على ذلك بكتب أهل العلم من التفسير، وشروح الحديث، وبمبسوطات الفقه، التي تتعرض لذكر أدلة المختلفين، كالمجموع للنووي، وفتح القدير لابن الهمام، ونيل الأوطار للشوكاني ونحوها، ومن أنفعها كتاب " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " للعلامة ابن رشد، فإنه إنما ألفه لإعداد طلاب العلم للوصول إلى رتبة الاجتهاد، كما صرح بذلك في الكتاب نفسه (19).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير