تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وخلاصة القول: إن الدعاة إلى السنة لا يوجبون الاجتهاد إلا لمن كان عنده أهلية، وانما يوجبون الاتباع على كل مسلم، ويحرمون -اتباعاً للسلف- التقليد إلا عند الضرورة وعدم الوقوف على السنة، فمن نسب إليهم خلاف هذا فقد تعدى وظلم، ومن طعن فيهم بعد هذا فإنما يطعن في السلف، وفيهم الأئمة الأربعة وان ادعى أنه سلفي! إذ ليست السلفية إلا فهم ما كان عليه السلف الصالح، ثم السير على ذلك، وعدو الخروج عنه.

ومما سبق يتبين للقارىء الكريم خطأ قول الأستاذ الطنطاوي في تمام الفقرة الرابعة: " وإن المحدثين كالصيادلة والفقهاء كالأطباء، والصيدلي يحفظ. . . " فإن هذه الكلمة على إطلاقها تجرد المحدثين من صنعة الفقه والفهم لما يحملون من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما أنها تجرد أيضاً الفقهاء من العلم والاطلاع على حديثه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يخفى ما في ذلك من الطعن في الفريقين معاً. وأنا لا أنكر أن يكون في الفقهاء من هو أفقه من بعض المحدثين، كيف وقد أشار لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور عنه: " نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " (20) ولكن ليس معنى ذلك أنه يسوغ لنا وصف المحدثين إطلاقاً بعدم الفقه، كما هو ظاهر عبارة الشيخ، فإن الحديث المذكور صريح في ردها حيث قال: " رب حامل فقه ليس بفقيه. . . " فأشار إلى قلة ذلك في المحدثين، لأن الأصل في " رب " أنها للتقليل، وكيف لا يكون الأصل في حق المحدثين ما ذكرناه، وهم ممن عاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " (21) قال ابن المديني: هم أصحاب الحديث، والذين يتعاهدون مذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويذبون عن العلم، لولاهم لأهلك الناس المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الأرجاء والرأي (22).

ثم إنما تظهر الفائدة من التفريق بين معرفة الحديث، وبين استنباط الأحكام منه والتفريق بين المحدث والفقيه في مسألة اختلف فيها الطرفان ودليل كل منهما هو عين دليل الآخر، وإنما الخلاف في فهمه وتطبيقه، ففي هذه الصورة يمكن ترجيح رأي الفقيه على رأي المحدث، وهذا على كل حال بالنسبة للمقلد الذي لا معرفة عنده بطرق الترجيح! وأما بالنسبة للمتبع فقد يترجح عنده رأي المحدث على رأي الفقيه لأدلة ظهرت له.

وأما إذا كان منشأ الخلاف بين الطرفين إنما هو اختلاف الدليل فأحدها يحتج بالحديث والآخر بالرأي والقياس أو بحديث ضعيف، فههنا لا تظهر الفائدة من التفريق الذي ذكره الشيخ، بل تكون النتيجة خلاف ما قصد إليه الشيخ -حفظه الله تعالى-، ولنوضح هذا بمثال: رجل سها فصلى الظهر خمساً، فالحنفية تقول إن هذه الصلاة باطلة إن لم يكن قعد قدر التشهد وسجد في الخامسة، وان كان قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت له الظهر والخامسة تطوع، وعليه أن يضيف إليها ركعة ثم يتشهد ويسجد سجدتي السهو، وهذا يخالف مخالفة ظاهرة حديث الشيخين، عن ابن مسعود قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر خمساً فقيل له أزيد في الصلاة؟ قال: " وما ذاك "؟ قال: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم فليس في الحديث ما يقوله الحنفية من إضافة الركعة السادسة، ولا أنه -صلى الله عليه وسلم- جلس للرابعة، ولهذا ذهب إلى ظاهر الحديث الجمهور فقالوا: من صلى الظهر خمسا يكفيه سجدتا السهو، ولو لم يقعد في الرابعة.

فههنا نسأل فضيلة الشيخ: هل الفرق الذي ذكرته له تأثير في هذه المسألة وأمثالها، بمعنى هل يجوز للمحدث الذي نشأ مثلاً على المذهب الحنفي أن يأخذ بهذا الحديث ولو خالف المذهب، أم تقول: إنه يجب عليه التمسك بالمذهب ولو خالف الحديث بناء على " إن المحدثين كالصيادلة والفقهاء كالأطباء "؟ فإن قلت بالأول فقد وافقت الدعاة إلى السنة فإنه الميدان الذي يدعون الناس إليه، وان قلت بالثاني -لا سمح الله- فهو مخالفة للكتاب والسنة، وخروج عن تقليدك لإمامك الذي أمرك بتقديم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قوله! كما أنه يلزمك أن تصف الجمهور من الأئمة الذين أخذوا بظاهر هذا الحديث بأنهم كالصيادلة، والذين خالفوه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير