كالأطباء!!
أيها الصديق، إن الفهم في الدين ليس محصوراً بطائفة دون أخرى، فلا يلزم من اختصاص البعض في علم الفقه أن يكون مصيباً في كل ما يستنبطه من الشرع كما لا يلزم من اختصاص الآخر في علم الحديث أن يكون مخطئاً في كل ما يستنبطه منه، فالمرجع إذن هو الدليل، فمن قام الدليل على إصابته ومعرفته للحق فيما اختلف فيه الناس كان هو الفقيه سواء كان معروفاً بالتخصص في الحديث أو الفقه، ولذلك كان الأحرى بك أن ترد على أنصار السنة في بعض المسائل التي تراهم أخطأوا فيها الحق على ما تقتضيه الأدلة الشرعية لا حسبما يلزم من المذهبية الضيقة، إنك لو قبلت ذلك لظهر للناس أي الفريقين أهدى سبيلا، ولساعد ذلك المسلمين على السير في هذا المنهج العلمي الجديد، الذي يعين على كشف الحقائق، وتقريب وجهة الخلاف بين المسلمين ما استمروا فيه.
4 - ثم قال الشيخ:
" وإن الصحابة أنفسهم لم يكن فيهم إلا مئة ممن يفتي، وإن مئة الألف من المسلمين الذين توفي عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يرجعون إلى هذه المئة ولا يجتهدون لأنفسهم ".
قلت: وهذه هفوة من الشيخ -حفظه الله-، فمن أين له أنه لم يكن في الصحابة إلا هذا العدد من المفتين؟! ونحن نقطع بأنهم كانوا أكثر من ذلك بكثير لأنه اللائق بفضلهم وصحبتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كنا لا نستطيع أن نعين عددهم إلا أنه قد نص من قوله حجة في هذا الموضوع على عدد أكثر مما ذكره الشيخ، بل جزم بأن كل من تشرف بصحبته -صلى الله عليه وسلم- والتلقي من علمه أفتى الناس، فقال الإمام ابن حزم (23): " وكل من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذ عنه أفتى أهله وجيرانه وقومه، وهذا أمر يعلم ضرورة، ثم لم ترو الفتيا في العبادات والأحكام إلا عن مائة ونيف وثلاثين منهم " (24).
(1) مقال للشيخ الألباني نشر في مجلة المسلمون (5/ 172 – 176، و 280 - 285، و 463 - 470، و 913 - 916).
(2) قال الشيخ محمد الخضري -رحمه الله- بعد أن تكلم عن التشريع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم في عهد الصحابة، ثم في عهد التابعين، إلى منتصف القرن الرابع:
" الدور الخامس وهو دور القيام على المذاهب وتأييدها. . .
لا شك أنه كان في كل دور من الأدوار السابقة مجتهدون ومقلدون، فالمجتهدون هم الفقهاء الذين يدرسون الكتاب والسنة، ويكون عندهم من المقدرة ما يستنبطون به الأحكام من ظواهر النصوص أو من منقولها، والمقلدون هم العامة الذين لم يشتغلوا بدراسة الكتاب والسنة دراسة تؤهلهم إلى الاستنباط، أما في هذا الدور فإن روح التقليد سرت سرياناً عاماً واشترك فيها العلماء وغيرهم من الجمهور، فبعد أن كان مريد الفقه يشتغل أولأ بدراسة الكتاب ورواية السنة اللذين هما أساس الاستنباط، صار في هذا الدور يتلقى كتب إمام معين، ويدرس طريقته التي استنبط بها ما دونه من الأحكام، فإذا أتم ذلك صار من العلماء الفقهاء ".
فلت: ومما لا شك فيه عند غير المتعصب أن هذه الطريقة السلفية هي وحدها الكفيلة بإخراج العلماء الفقهاء حقيقة، كيف لا، والإمام مالك يقول: " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ".
(3) كان بشار يهجو الناس وهو صبي فيشكونه إلى أبيه فيضربه، فلما طال ذلك عليه قال لأبيه: قل لهم إن ابني هذا أعمى، والله يقول (ليس على الأعمى حرج) فقالوا: فقه برد أشد علينا من شعر بشار. " طنطاوي ".
(4) رواه الحاكم في المستدرك (93)، وابن عبد البر في "جامع العلم" (2/ 24).
(5) "ابن عبد البر" (2 - 32).
(6) "ابن عبد البر" (2 - 34، 35).
(7) "إعلام الموقعين" (1 - 75، 77).
(8) "ابن عبد البر" (2 - 149).
(9) "إعلام الموقعين" (2 - 410).
(10) ولهذا قال سليمان التميمي (من ثقات اتباع التابعين ومفتيهم): (إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله) رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 91، 92) ثم قال هذا: (هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً).
(11) ابن عبد البر (2/ 34، 35).
(12) انظر "الموافقات" للإمام الشاطبي (4/ 293)، و " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " للمحقق محمد بن إبراهيم الوزير اليماني (1/ 36 - 38).
¥