تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويزيد الإمام سلطان العلماء العز ابن عبد السلام إشارات الإمام الطبري وضوحًا، فيُبيّنُ وَجْهَ النظر السديد في الآية التي أوعد النبي ? على عدم النظر فيها، وهي قوله تعالى: ? ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گگ ? [آل عمران: 190] فيقول: «لآياتٍ قائماتٍ لمَن خَلُصَ عقْلُه عن الهوى خلوصَ اللّبِّ عن القشر، فيرى أن العَرَضَ المُحدَث في الجواهِر يدلُّ على حدوث الجواهر؛ لأنَّ جوهرًا لا ينفك عن عرَضٍ، ثم حدوثُها يدلُّ على مُحدِثها، وإحداثُه يدُلُّ على قِدَمِه؛ وإلا لاحتاجَ إلى محدِثٍ آخر فلا يتناهَى، وحُسْنُ صُنعِه يدل على عِلْمِه، وإتقانُه يدل على حِكمته، وبقاؤُه يدل على قدرته، ثم العقل يشهد بأنّ الصانع عز وجل لا يشابه صُنعَه في ذاته ولا يماثله في صفاته ([9] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn9))»، وبهذه الكلمات يفتح العزُّ أبوابًا من المعارف الإلهية لا حَدّ لها، تجد بعضها مبسوطا في هذا الكتاب.

والحاصل أنّ القرآن العظيم جاء بتقرير دلائل معرفة الله تعالى والإرشادِ إلى طريق حصولها، وعلى إثبات هذا المقصود الأعظم نزل، ولذلك كانت الآيات المتضمنة للتوحيد مُعظَمه، وأمّا آيات الأحكام والمواعظ فقليلة بالنسبة إلى الآي المتعلِّقة بالمعرفة الإلهية، وأيضا فقد أقام النبيُّ ? بمكة بعد أن بُعث ثلاثة عشر سنة ولم يشتغل فيها إلا بتقرير أدلة معرفة الله تعالى وترديدها على الناس في المحافل وعلى مرّ الأوقات بضروب من التكرار حتى اتضحت، ومن خير الشواهد على ذلك أنّ أول سورة نزلت من القرآن سورة «القلم»، وهي مشتملة على تقرير خَلْقِ الإنسان وتطويره وذكر مبادئ الوجود الإنساني، والقصد من جميع ذلك إلهام العقول إلى الاستدلال بالصنعة على صانعها الحكيم ومُدبِّرها العليم عز وجل.

بل إنّ سُنَّة الأنبياء عليهم السلام مع أممهم كانت بالدعوة إلى توحيد الله عز وجل ومعرفته بهذا الطريق الاستدلالي العقليّ، فمِن أوَّلهم نوحٌ عليه السلام القائل لقومه:?? ? ? ? ? ? ٹ? أي لا تعلمون لِلَّهِ عظمةً، ولا تعظّمونه عز وجل حقّ تعظيمه?ٹ ٹ ٹ ? ? [نوح: 13 – 14] أي حالا بعد حال ([10] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn10)) ، أوّلا ترابًا، ثمّ نُطفةً، ثمّ علقةً، ثم مضغةً، ثمّ عضامًا ولحمًا، ثم أنشاكم خلقًا آخر، فكأنه عليه السلام يقول: ما لكم لا تعلمون ما وَجب لله تعالى من العظمة والجلال والحال هذه في ظهور هذه الدلائل التي توصل الناظر فيها نظرًا صحيحًا إلى العلم اليقيني بالله عز وجل وما وجَب له من العلياء والكبرياء، فقد نبَّههُم عليه السلام على النظر في أنفسهم أوّلا لأنّها أقرب منظور فيه، ثمّ نبّههم بعد ذلك بقوله عليه السلام: ?????????? [نوح: 15] على النظر في العالَم وما أبدع فيه الله عز وجل من العجائب الشاهدة لقدرته تعالى وعلمه ومشيئته النافذة في السماوات والأرضين، فإنه إذا تدبَّر العاقل في تطوير الأطوار وتجدُّد المتجدِّدات وتغيّرها من حال إلى حالٍ دلَّهُ ذلك على حدوث الحادثات، وتوصَّلَ به إلى العلم بوجوب وجود مُوجدها وما وجَب له تعالى من محامِد الصفات، وما استحال عليه من النقائص والآفات، وما جاز من أحكامه في المخلوقات، وعلى هذه المعلومات الثلاث علم التوحيد.

وهذا الطريق الاستدلالي العقلي هو أيضا طريقُ نبيّ الحجة سيدنا إبراهيم عليه السلام في دعوة قومه إلى التوحيد ونبذ الشرك، كما أخبر عنه القرآن العظيم في قوله تعالى: ?? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ? ? چ چ چ چ ? [الأنعام: 75 – 76] إلى قوله:ژ ے ے ? ? ? ژ [الأنعام: 79].

قال الإمام الفقيه ابن رشد الجد: «فاستدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بما عاين من حركة الكواكب والشمس والقمر على أنها محدَثةٌ؛ لأنّ الحركة والسكون من علامات المحدَثات، ثم علم أن كل محدَث فلابد له من محدِث وهو الله رب العالمين. وهذا وجه الاستدلال وحقيقته، قصَّهُ الله تبارك وتعالى علينا تنبيها وإرشادا إلى ما يجب علينا، وهذا في القرآن كثير لا يحصى كثرة. ولم يستدل إبراهيم ? بما عاينه في الكواكب والشمس والقمر لنَفْسِه؛ إذ لم يكن جاهِلًا بربه ولا شاكًّا في قِدَمه، وإنما أراد أن يري قومَه وَجْهَ الاستدلال بذلك، ويعيِّرهم بالذهول على هذا الدليل الواضح، ويوقفهم على باطل ما هم عليه، وكان من أحجّ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير