تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و أمّا لفظ المضاف إليه، فلإشعار جَمْعِ العالَم فيه باتصافه بضروب من الجائزات لا حصر لها، كاختلاف أجناسها و أنواعها، وأصنافها وأشخاصها، وأشكالها وألوانها ومقاديرها، وألسنة ذوي الألسنة منها، واختلاف أمكنتها وأزمنتها وسائر صفاتها، وهذا _ والله تعالى أعلم _ حِكْمَةُ جمع العالَم، مع ما فيه من المحافَظة على الفواصل، ولهذا جُمِعَ جمع سلامة. وأيضا فجمع السلامة من جموع القلة، ففيه إشارة إلى أنّ العوالم، و إن كثرت كثرة لا حصر لها، فهي بالإضافة إلى قدرة الله تعالى ومحيط علمه من حيز القليل الذي لا بال له.

و إذا عرفت هذا لم يَخْفَ عليك أنّ هذا الجمع يقتضي ملازمة كل فَرْدٍ من أفرادِ العوالم لضروب من أنواع الجائزات لازِمَة الحدوث؛ لاستحالة القِدَم على كل جائز مساوٍ لمقابله في الجواز، وملازم الحادِث فهو حادِثٌ قطعًا، مفتقِرٌ إلى الفاعل؛ لاستحالة وقوع الحادث وترجُّحه بالوجود على مقابله المساوي له بلا فاعل مخترع لوجوده، وذلك الفاعل هو الربُّ المسمَّى بالاسم الأعظم، الذي وجب له الحمد تبارك وتعالى ([14] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn14)).

قال الشيخ ابن خمير السبتي: فبهذه الطريقة يثبت حدوثُ العالَم من كتاب الله تعالى بتفاصيل الأوجه التي عوّل عليها العلماء، وبها أيضا يردّ على من زعم من المقلّدة الإسلاميين أنّ طريقة المتكلمين في الاستدلال لا توجَد في كتاب الله تعالى ولا تستخرج منه، وقد قرع مسمعهم قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ?? [الأنعام: 38]، وليت شعري إذا لم يُستخرَج علمُ التوحيد من كتاب الله فمن أيّ شيء يستخرج؟! ?? ? ? ? ? [الأعراف: 185]،فاستعذ بالله من عمى البصر مرة، ومن عمى البصيرة ألف مرة ([15] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn15))، قال تعالى: ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? [فصلت: 44]، فمن فاته النظر والاستخراج من القرآن فاته الخير أجمع ([16] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn16)).

وعلى هذا المثال البديع درج العلماء العارفون والفضلاء المحققون في استنباط دلائل معرفة الله عز وجل من آيات الكتاب العزيز والسُّنَّة النبوية المطهرة، ودوَّنوا نتائج أفكارهم وثمرات أنظارهم في مؤلفاتهم، فنشأ على أيديهم أشرف العلوم على الإطلاق لشرف متعلَّقه، وهو ما صار يُعرَف بعلم الأصول والقواعد الدينية عن الأدلة اليقينية، وضمَّنوا مصنفاتهم المقدمات والممهدات، والضوابط والمصطلحات، والبراهين والدلالات الموصلة إلى معرفة الله تعالى معرفةً يقينية لا يبقى في القلب معها شكٌّ ولا رَيبٌ، إذ هي امتثالٌ لأوامر الكتاب المبين، واستنباط سديد من آيات القرآن والذكر الحكيم.

ومن تلك الكتب التي تشع منها أنوار المعارف الربانية اليقينية والاستدلالات العقلية والنقلية، كتاب «أبكار الأفكار العلوية في شرح الأسرار العقلية في الكلمات النبوية» للشيخ العلامة الأصولي النظار: أبي يحيى زكريا بن يحيى الشريف الإدريسي الحسني المغربي، كيف لا وهو دراسة وشرح لكلمات النبي الأعظم الذي أوتي جوامع الكلم ?، فتضمنت كلماته الشريفة المعاني الغزيرة المنيفة، لا سيما في حديثه المتعلِّق بمعرفة الله تعالى؛ إذ هو ? أعرف الخلق بربِّه عز وجل، فهذا الكتاب هو شرح لخمس كلمات وردت في حديث للنبي ? وهي: «سبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، كلمات جامعة قد تضمنت أصول وقواعد معرفية لا تفي بحقها المجلَّدات، فتَحَ بابَ الكلام عليها الشيخُ الإمام العلامة أبي العزِّ المعروف بـ «المقترَح» في متن أسماه «الأسرار العقلية في الكلمات النبوية»، ثم شرحه تلميذُه الشيخ العلامة زكريا الإدريسي في هذا الكتاب الذي بين يديك.

وباعتبار هذه الكلمات النبوية انقسم الكتاب إلى خمسة أركان، فالرُّكْنُ الأَوَّلُ ورد تفسيرًا لمضامين قوله ?: «سُبْحَانَ اللَّهِ» واحتوى على مطالب مهمة، أوّلها إثبات العلم اليقيني بوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، فكان تفسيرًا لنحو قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ?? [إبراهيم: 10] حيث برهن فيه المؤلف والشارح على أن جميع هذه العوالِم محدَثَةٌ بعد عدم، مفتقرةٌ إلى موجِدٍ صانِعٍ متوحِّد متفرِّد بالخَلْقِ والإبداع عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير