كما أنهم يتخيلون أنفسهم وهم يرسمون كما لو كانوا متحكمين في مكونات اللوحة في الطبيعة، لا متفرجين كما تفعل البنات، وقد اختصرت الأخصائية النفسية دونا تيومان ( Donna Tuman) هذه الفروق بقولها: "البنات يرسمن الأسماء، والأولاد يرسمون الأفعال".
ومن القصص التي تبين أهمية اعتبار نحو هذه الفروق في العملية التعليمة -على ضآلتها فيما يبدو للناظر- قصة واقعية، لعل سردها يثبت للقارئ أن الدعوة إلى اعتبار الفروق بين الجنسين والفصل بينهم في التعليم دعوة مهمة حقاً، وليست محض تهويل ليس عليه تعويل:
أعطت أستاذة التمهيدي كل طفل ورقة بيضاء، وطلبت منهم أن يستعملوا أقلام الألوان لرسم ما يحبون، وكانت المعلمة تمر عليهم وتشجعهم، وأثناء مرورها توقفت عند أنيتا ( Anita)، ذات السنوات الخمس، رسمت أنيتا ثلاثة أوجه مبتسمة تواجه الناظر، وقد استعملت اثني عشر لوناً! أحمر، بني، برتقالي، ... وكثير من الألوان الساطعة.
قالت المعلمة: عمل ممتاز يا أنيتا .. من هؤلاء؟
فردت الطفلة: هذه أنا، وهذا أخي فلان، وهذه أمي.
قالت المعلمة: هذا رائع جداً، عمل مميز.
ثم انتقلت المعلمة لماثيو ( Matthew) ذي الخمس سنوات، وهو نفس الطفل الذي مر علينا عندما بحثنا أثر الفروق العضلية في المقالة السابقة. كان ماثيو قد غطى سطح الورقة بخطوط سوداء داكنة (خربشة)، فسألته المعلمة: ما هذا؟
أجاب ماثيو بكل فخر: إنه صاروخ كاد أن يدمر الأرض، انظري هذا هو الصاروخ، وهذه هي الأرض.
المعلمة رأت أن ماثيو استعمل اللون الأسود فقط لكل من الأرض والصاروخ، لا أثر في لوحته لأي شخص، ولا أي لون، ولا أي حياة!
قالت المعلمة بتصنع محاولة إخفاءه: هذا حسن يا ماثيو، لماذا لم تضف ألواناً أخرى؟ هل هناك أشخاص في الصاروخ؟
نعم لقد حاولت المعلمة إخفاء انطباعها السيء، غير أن هناك شيء يتقنه الطفل في هذه السن بنتاً كان أو ولداً، ألا وهو اكتشاف ما يعجب الكبار، لذا فإن ماثيو فهم رغم محاولات المعلمة أن لوحته لم تعجبها كما أعجبتها لوحة أنيتا. فكانت النتيجة أن استنتج الطفلان أن رسم أنيتا صحيح، ورسم ماثيو خطأ.
حاول ماثيو أن يقلد أنيتا، لكنه عجز عجزاً تاماً.
فاستقر عنده أنه فاشل في الرسم، وأن الرسم للبنات.
وكما أنه اعتبر نفسه فاشلاً في الكتابة نظراً للتفاوت في القدرات العضلية المتعلقة بالتحكم الدقيق، اعتبر نفسه فاشلاً في الرسم أيضاً، وفوق ذلك المعلمة تريد منه أن يبقى في مكانه هادئاً، وينصت لما تقول، بينما لا يطيق هو إلاّ أن يجري ويقفز ويصيح.
وقد عقب ساكس على هذه القصة بكلمة حاصلها أن ماثيو لم تكن به آفاة، لكن الآفة هي فصول القرن الواحد والعشرين المختلطة، أو المحايدة كما سماها.
وتطبيق آخر ينبني على الفروق المذكورة ينبغي اعتباره، وهو ما أشارت إليه الدراسات التي أجريت على الأطفال الصغار من أن أداء البنات أفضل في المهارات التي تتطلب التمييز بين الأشياء، (الإجابة عن ما هو؟)، بينما أداء الأولاد أفضل في التعرف على مواضع الأشياء، (الإجابة عن أين هو؟). كما لوحظت نفس الفروق بين ذكور وإناث القرود الصغيرة.
فالأشياء المتحركة ذات الألوان المحدودة كفيلة بجذب انتباه البنين، أما البنات فقد لا تجذب انتباههن هذه بنفس درجة الأشياء الثابتة ذات الألوان والتعابير المفصلة، وقد لوحظ أن أغلب البنات والنساء أفضل من البنين والرجال في تفسير كلمات الوجه. فتساءل بعض الباحثين من جامعة كمبردج ( Cambridge) عما إذا كان سبب هذا التفوق أمر داخلي أم أنه جراء عوامل اجتماعية كتشجيع الآباء لبناتهم على الجلوس والتعامل مع الأخريات، بينما ينهمك الأولاد في اللعب بالمسدسات. قرر هؤلاء الباحثون دراسة رُضَّع ورضيعات في اليوم الأول لميلادهم، فخيروا الرضع بين النظر لجسم صغير متدل وبين وجه امرأة حقيقي، كانت المرأة تبتسم للطفل دون أن تقول أي شيء، ويتدلى بجانبها جسم صغير متحرك لا يصدر أي صوت. صور جميع الأطفال البالغ عددهم اثنان ومائة طفل عن طريق آلات تصوير مرئي، ثم حلل عدد من الباحثين حركة أعينهم دون أن يكون لهم إلمام بجنس صاحب المشهد، فكانت النتيجة أن الرضع يفضلون النظر إلى الجسم المتحرك أكثر من وجه المرأة بخلاف الرضيعات، وكانت نسبة ملاحظة الأولاد للجسم المتحرك ضعفي نسبة ملاحظة البنات، فتوصل الباحثون بذلك إلى
¥