ب- (واللام) التي تفيد معنى (التعليل) قد تخرج عنه إلى إفادة معنى الظرفية على سبيل الاقتراض من (في) نحو قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الأنبياء: 11) أي ونضع الموازين في يوم القيامة. وقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُو} (الأعراف: 187) أي لا يجليها في وقتها إلا هو، قيل: ومنه قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (الفجر: 24) أي في حياتي. وقولهم: مضى لسبيله أي مضى في سبيله.
في- من:
أ- وقد تأتى (في) بمعنى (من) أي تأتي مقترضة معنى ابتداء الغاية أو التبعيض من (من) نحو قول امرىء القيس:
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال
أي من كان من العصر الخالي وثلاثين شهراً من ثلاثة أحوال.
ب- وقد تأتى (من) بمعنى (في) أي تفيد معنى الظرفية على وأي بعضهم نحو قوله تعالى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} (فاطر: 40) أي ماذا خلقوا في الأرض، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الجمعة: 9) أي نودي للصلاة في يوم الجمعة.
وقد ذهب ابن هشام إلى أن: "من في الآية الكريمة لبيان الجنس وليست بمعنى في".
اللام- من:
أ- وقد تخرج (اللام) عن معنى التعليل فتأتى بمعنى (من) أي تفيد معنى ابتداء الغاية نحو قولهم: "سمعت له صراخاً " أي سمعت منه صراخاً. ونحو قول جرير:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ونحن لكم يوم القيامة أفضل
أي ونحن أفضل منكم يوم القيامة.
ب- وقد تخرج (من) عن إفادة ابتداء الغاية فتأتي بمعنى (اللام) أي تفيد معنى التعليل نحو قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} (نوح: 25) أي لأجل خطيئاتهم أغرقوا. ونحو قول امرىء القيس:
وذلك من نبأ جاءني وخبرته عن أبي الأسود
أي وذلك لأجل نبأ جاءني.
ونحو قول الفرزدق:
يُغْضِي حياءً وُيغضِي من مهابته فما يكلم إلا حين يبسم
أي ويغضي لأجل مهابته.
أو- الواو:
أ- (أو) حرف عطف يفيد معنى الشك أو الإبهام أو التخيير أو الإباحة، وفي بعض الأحيان قد يأتي هذا الحرف مفيداً معنى (الواو) أي يفيد معنى الجمع المطلق قال بذلك الكوفيون والأخفش والجرمى واحتجوا بقول توبه بن الحُميرِّ:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها
أي لنفسي تقاها وعليها فجورها (فأو) بمعنى (الواو). قال المالقى: وهو قليل لا يقاس عليه. وقيل (أو) في البيت للإبهام أي جاءت على بابها.
واحتجوا أيضاً بقول جرير في مدح عمر بن عبد العزيز:
جاء الخلافة أو كانت له قدراً كما أتى موسى ربه على قدر
(فأو) في الشطر الأول لمطلق الجمع كالواو.
ويقول النابغة الذبياني:
قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد
(فأو) في البيت لمطلق الجمع كالواو.
ويقول حميد بن ثور:
قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ما بين ملجم مهره أو سافع
فأو في الشطر الثاني لمطلق الجمع كالواو. والسافع: هو الآخذ بناصية الفرس من غير لجام.
وقال الرماني: "ذهب قوم من الكوفيين إلى أن (أو) بمعنى (الواو) وجعلوا من ذلك قوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (المرسلات: 6) ومثله: {عُذْراً أَوْ نُذْراً} (طه: 44). وفى قوله تعالى: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} (الواقعة: 47، 48) ذهب المالقي إلى أن (أو) في الآية بمعنى (الواو) على قراءة من سكن الواو في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (الصافات: 147) (أو) بمعنى الواو أي مائة ألف ويزيدون. في قوله تعالى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} (النور: 61) ذكر ابن مالك:" أن (أو) في الآية بمعنى (ولا) ". قال ابن هشام:" إن (أو) في الآية بمعنى (الواو) وإنما جاءت (لا) في الآية توكيداً للنفي السابق ومانعة من توهم تعليق النفي بالمجموع لا بكل واحد، وذلك مستفاد من دليل خارج عن اللفظ وهو الإجماع".
¥