ـ[المهندس]ــــــــ[15 - 02 - 2008, 11:29 م]ـ
لا أدري إن كان أخونا محمد سعد كان يدرك أن هذا النقل سيثير نزاعا حول مسألة المجاز، ولقد اتخذ كثير من أهل البدع المجاز مطية لتحريف آيات الله سبحانه، ونفي صفات الكمال التي وصف بها نفسه بدعوى أنها مجاز، وتشدد قوم من أهل السنة في المقابل فنفوا وجود مجاز في القرآن، وتشدد قوم أكثر فنفوا وجود مجاز في اللغة قاطبة.
وقد سارع الأخ الصياد بالقول بالاستعارة المكنية أو التصريحية، وهو قول قد امتلأت به كتب المفسرين الأشاعرة والمعتزلة كالزمخشري وابن عادل وغيرهما.
ولا أرى أن الأخ تيسير - جزاه الله خيرا - قد وُفق في رد القول بالمجاز في هذه الآية. ولو كان بنى قوله على أن هذا مما يجوز في لغة العرب وأنه من باب التوسع في اللغة، وأن إرادة الانقضاض هي الميل الشديد الذي به قارب الجدار أن ينقض ويسقط، وأن لهذا نظائر في كلام العرب، وأن الإرادة من الجمادات ليست كالإرادة من الإنسان والحيوان، لكان أوفق وأولى بالقبول، ولكنه جعل تلك الإرادة كتسبيح السموات والأرض، بل جعلها مثل ما سيكون في آخر الزمان خارقا للعادات من تكلم الشجر والحجر لإرشاد المسلم عن مكان اليهودي.
أما الذي أؤمن به وأراه الصواب الذي لا صواب غيره، فهو ما قاله عمدة المفسرين الإمام الطبري حيث قال:
{{واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قول الله عز وجل (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)
فقال بعض أهل البصرة: ليس للحائط إرادة ولا للمَوَات، ولكنه إذا كان في هذه الحال الرثة فهو إرادته وهذا كقول العرب في غيره:
يُريدُ الرُّمحُ صَدْرَ أبي بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِماءِ بَنِي عُقَيْلِ
وقال آخر منهم: إنما كلم القوم بما يعقلون، قال: وذلك لما دنا من الانقضاض، جاز أن يقول: يريد أن ينقض، قال: ومثله (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ) وقولهم: إني لأكاد أطير من الفرح، وأنت لم تقرب من ذلك، ولم تهمْ به، ولكن لعظيم الأمر عندك،
وقال بعض الكوفيين منهم: من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط، قال: ومثله من قول العرب قول الشاعر:
إنَّ دهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ ... لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحْسانِ
وقول الآخر:
يَشْكُو إليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جَمِيلا فَكِلانا مُبْتَلى
قال: والجمل لم يشك، إنما تكلم به على أنه لو تكلم لقال ذلك، قال: وكذلك قول عنترة:
وازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبانِهِ ... وشَكا إليَّ بعَبْرَةٍ وَتحَمْحُمِ
قال: ومنه قول الله عز وجل: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) والغضب لا يسكت، وإنما يسكت صاحبه. وإنما معناه: سكن.
وقوله: (فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ) إنما يعزم أهله،
وقال آخر منهم: هذا من أفصح كلام العرب، وقال: إنما إرادة الجدار: ميله، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم "لا تَرَاءى نارَاهُما" وإنما هو أن تكون ناران كلّ واحدة من صاحبتها بموضع لو قام فيه إنسان رأى الأخرى في القُرب،
قال: وهو كقول الله عز وجل في الأصنام: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)
قال: والعرب تقول: داري تنظر إلى دار فلان، تعني: قرب ما بينهما، واستشهد بقول ذي الرُّمَّة في وصفه حوضا أو منزلا دارسا:
قَدْ كادَ أوْ قَدْ هَمَّ بالبُيُودِ
قال: فجعله يهمّ، وإنما معناه: أنه قد تغير للبلى،
والذي نقول به في ذلك أن الله عزّ ذكره بلطفه، جعل الكلام بين خلقه رحمة منه بهم، ليبين بعضهم لبعض عما في ضمائرهم، مما لا تحسُّه أبصارهم، وقد عقلت العرب معنى القائل:
في مَهْمَةٍ قَلِقَتْ بِهِ هاماتُهَا ... قَلَقَ الفُئُوسِ إذَا أرَدْنَ نُصُولا
وفهمت أن الفئوس لا توصف بما يوصف به بنو آدم من ضمائر الصدور مع وصفها إياهما بأنها تريد، وعلمت ما يريد القائل بقوله:
كمِثْلِ هَيْلِ النَّقا طافَ المُشاةُ بِهِ ... يَنْهالُ حِينا ويَنْهَاهُ الثَّرَى حِينا
وإنما لم يرد أن الثرى نطق، ولكنه أراد به أنه تلبَّد بالندى، فمنعه من الإنهيال، فكان منعه إياه من ذلك كالنهي من ذوي المنطق فلا ينهال.
وكذلك قوله: (جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) قد علمت أن معناه: قد قارب من أن يقع أو يسقط، وإنما خاطب جل ثناؤه بالقرآن من أنزل الوحي بلسانه، وقد عقلوا ما عنى به وإن استعجم عن فهمه ذوو البلادة والعمى، وضل فيه ذوو الجهالة والغبا.}}
ـ[محمد سعد]ــــــــ[16 - 02 - 2008, 01:12 ص]ـ
السلام عليكم
حيَّاك الله أخي المهندس، نحن طلاب نستفيد مما يكتب، وأشكرلك هذا المرور الطيب على الموضوع، وجهودك واضحة ومشكورة في المنتدى، أما إن كنت أدرك إن هذا النقل من لسان العرب سثير (نزاعًا) نقاشًا أو حوارًا، أقول لأخي الحبيب أنا أنقل نقل المتخصص، لا نقل تعسف، وكما قلت لو أخذت على التوسع اللغوي لكان أفضل.
كل الحب والاحترام لك ولتعليقك.
¥