تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[حازم]ــــــــ[09 - 12 - 2004, 08:18 م]ـ

إذا المَرءُ لم يَطلُبْ مَعاشًا لِنَفسِهِ & شَكا الفَقرَ أوْ لامَ الصَّديقَ فَأكْثَرا

وصارَ علَى الأَدْنينَ كَلاًّ وأوْشَكتْ & صِلاتُ ذَوي القُربَى لهُ أنْ تَنكَّرا

فَسِرْ في بِلادِ اللهِ فَالْتَمِسِ الغِنَى & تَعِشْ ذا يَسارٍ أوْ تَموتَ فتُعْذَرا

ولا تَرْضَ مِن عَيشٍ بِدونٍ ولا تَنمْ & وكَيفَ يَنامُ الليلَ مَنْ كانَ مُعْسِرا؟

الأستاذ الفاضل / " قمر لبنان "

أشكرك على تعليقك حول إعراب خبر المبتدأ، والحرص على الدقّة في ذلك، غير أنك قد جنحت عن الصواب حين أطلقت العنان لآرائك في بقية المسائل، ولا بدَّ من إلقاء الضوء عليها، ليقف القارئ على صحَّة الأقوال في تلك المسائل، فأقول – وبالله التوفيق -:

بارك الله فيك على تنبيهك الرائع حول ما جاء في إعراب الأستاذ الفاضل / " أبو طيف "، وإن كنتُ أرَى أنَّ المفهوم من كلامه أنَّ " هي ومحذوفها " خبر المبتدأ " البلاد ".

وقد قدَّرتُ كلامه – رعاه الله – على هذا النحو، لأنَّ المعنى لا يستقيم إلاَّ بتقدير محذوف، فالمعنى " والبلادُ كما هي عليه ".

فالمقام لم يكن تفصيل إعراب الخبر، وإنما المقام كان حول كلامه عن " ما "، الذي اعتبرها قد كفَّت حرفَ الجرِّ " الكاف " عن عملها، وقد أبدع في ذلك.

ولو رجعتَ إلى إعرابك للمسألة، لوجدتَ أنك أنتَ أيضًا قد قدَّرت محذوفًا ليستقيم معنى الكلام وهو "عليه ".

وقد أثنيتُ على الأستاذ " أبو طيف " – وهو مستحق للثناء -، لأنه قلَّ من يتفطَّن لإعرابه الذي ذهب إليه، والمرءُ لا بدَّ ن يُنسب له الشكر والفضل إن أجاد.

وهنا أودُّ أن أشير إلى أنَّ المعرِب قد يقول في نحو: " زيدٌ يمشي ":

زيد: مبتدأ، ويمشي: خبر.

فلا يُلام، إذ أنَّه من المعلوم أنَّ المقصود هو جملة " يمشي "، لا لفظها.

وعليه، فأرَى أنَّ قوله " ما " كافة، قول سديد وصحيح.

وأمَّا قولك: (أستنتج بناء على ما سبق: أن الكاف إذا دخلت عليها (ما) بأنواعها المختلفة تزيل اختصاصها في الدخول على الاسم لجره، فتدخل على الجملة الفعلية والاسمية)

قلتُ: كلامك فيه نظر، إذ كيف يصحُّ أن تبني استنتاجك على بضعة أبيات قرأتَها؟

هل اطَّلعت على جميع أبيات العرب؟ لا أظنُّ ذلك، لأنَّ الناظر في كلامهم سيجد أنه قد ورد في كلامهم، وإن كان قليلاً.

قال عروة بن الورد:

ألا إنَّ أصحابَ الكنيفِ وجدتُهم * كما الناس لما أخصبوا وتمولوا

وقال لبيد بن ربيعة العامري:

غشيتُ ديارَ الحيِّ بالسبُعانِ * كما البدْرُ فالعينانِ تبتدرانِ

والصواب، لا بدَّ أن تضيف كلمة " غالبًا " أو " كثيرًا "، ليصبح قولك سليمًا، واستنتاجك سديدًا.

تأمَّل قول العلماء، عندما نظروا في كلام الله تعالى، نحو قوله تعالى: {ولو شاءَ اللهُ لَجعلَ الناسَ أمةً واحِدةً}، وقوله تعالى: {ولو شاءَ ربُّكَ لآمنَ مَن في الأرضِ كلُّهم جميعًا}، وقوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناهُ بها}، وقوله تعالى: {لو نشاءُ لجعلناهُ حُطامًا}، وغير ذلك.

ثم قرؤوا قولَه تعالى: {لو نشاءُ جعلناهُ أُجاجًا}

وجدوا أنَّ اللام تقترن في جواب " لو " المثبت، في جميع المواضع إلاَّ موضعًا واحدًا، فماذا قالوا؟

انظر – يا رعاك الله -، ماذا قالوا:

قالوا: جواب " لو " الشرطية، إن كان مثبتًا، فاقترانه باللام أكثر.

ومن القليل عدم اقترانه باللام.

ولم يقولوا: شاذ، أو قاموا بتكلُّف التعليلات، والله أعلم.

وقولك: (وعلى هذا الأساس أفهم ما قاله النحاة عن البيت التالي شاذ لا يقاس عليه، وننصر مولانا ونعلم أنه * كما الناس مجروم عليه وجارم " جر كلمة الناس ")

أقول: مَن أولئك النحاة الذين حكموا بشذوذه؟

بل هذا البيت أورده ابن هشامٍ في " مغنيه " وفي " أوضح المسالك ".

وأورده ابن عقيل في شرح الألفية.

ولم يحكما – رحمهما الله – بشذوذه، بل استشهدا به أثناء الكلام عن حرف الجر، ولو حكم أحدٌ قبلهما بشذوذه لَما جاز لهما أن يستشهدا به.

فكيف زعمتَ أنه شاذ؟

وكان الأولَى أن تنسِب القولَ بشذوذه لصاحبِه، لِيتبيَّن لنا مرادَه.

أما إن كان هذا القول منسوبًا إلى أحد المحدثين، فقوله مردود، ولا يُعوَّل عليه، والله أعلم.

وقولك: (وأوافقه على المسألة التي أعرب فيها:

هي: ضمير رفع أقيم مقام الضمير المجرور.

هذا التأويل صحيح لكنني لا آخذ به، لأن النحاة تكلفوا كثيرا)

أقول: أنت وشأنك، لا أحد يلزمك أن تأخذ به أو تدعه.

غير أنَّ هذا الإعراب صحيح، ولا تكلُّف فيه، بل هو سهل ويسير، على مَن يسَّره الله عليه، وقد أورده الأستاذ / " محمد محي الدين عبد الحميد " – رحمه الله – في " شرح أوضح المسالك "، وقد تأسَّى بشيخه الجليل، ابن هشامٍ – رحمه الله رحمة واسعة – عند قوله في " مغني اللبيب ":

(" أنت ": ضمير مرفوع أنيب عن المجرور، كما في قولهم: " ما أنا كأنت ")

ختامًا، أحمدُ اللهً – سبحانه وتعالى – أن وفَّق علماءَنا المبارَكين، على استنباط القواعد الصحيحة التي وجَّهت كلامَه العظيم، وكلام العرب.

وأسأل الله أن يجعلنا ممَّن يحافظون على عِلمِهم، ويدافعون عنه، وأن يرزقنا العلم النافع، إنه سميع مجيب.

وللجميع خالص تحياتي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير