فالأصل أنًّ الكلمة مفرد، وهذا الأمر معلوم عند الجاهل قبل المتعلِّم، فإن قيل له: إنَّ الكلمة قد يُقصَد به الكلام.
ردَّ على قائله بأنه مجنون.
الشاهد من هذا، أنَّ ما جاء على الأصل، ليس بحاجةٍ إلى دليل، وإنما الدليل لِما خرج عن الأصل، وهو معنى قول النحاة: وكِلمةٌ بها كلامٌ قد يُؤمّ.
والدليل هو ما ذكرتَه، من قوله تعالى: {كلاَّ إنها كلمةٌ هو قائلُها} سورة المؤمنون.
وقولهم: كلمة الإخلاص، لا إلَهَ إلاَّ اللهُ.
ولا أرَى أنك بحاجةٍ إلى مزيد من الأدلَّة حول هذه القاعدة، وإلاَّ فإنَّ شواهدها أكثر مِن أن تُحصَى.
وأما قولك: (شتان بين علم الرياضيات وبين علم ضُرِب بضعف حُجَجه المثل كما قال القائل: ترنو إلي بطرف فاتر أضعف من حجة نحوي)
أقول: نعم - والله -، شتان بين هذا وذاك، فأكثر علم الرياضيات لا يزال قائمًا على نظريات، وإن تبيَّن يومًا فسادها، أُبطِل كل ما بُنِيَ عليها، أتعلم هذا؟
أما علم النحو، فقائم ممتدٌّ، ضاربٌ بجذوره في أعماق الأرض الصلبة، يستمدُّ شواهده من كلام الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويرتكز على كلام العرب، وقد وفَّق الله لتأصيله العلماء الأفذاذ، وبارك علمهم حتَّى وصل إلينا نقيا صافيا، عذبا سلسبيلا.
فلا وجه لمقارنة الرياضيات بعلم النحو المتصِّل بعلوم الشريعة الغرَّاء.
وقولك: (أضعف من حجة نحوي)
أقول: الصواب، أوسع من حجة نحوي، هذا هو المثل الصحيح، فالنحوي، لا يستطيع أحد أن يُلزمَه بغير ما يراه صوابًا، ولذلك يقولون: إن أحكمتَ عليه إغلاق الغرفة، خرج من النافذة.
وأقول: ولذلك، ثبتت أقوالهم، وتنوَّعت تعليلاتهم، وتواترت حجتهم.
فهل نظرتَ إلى ضعف قول مَن نقلتَ كلامه؟
وقولك: (حتى زعم ابن جني أن إجماع النحاة ليس حجة)
أقول: اتَّقِ اللهَ – يا هذا -، ولا تضع مقالة ابن جني – رحمه الله – في غير موضعها.
فقد ذكرها ابنُ جني في كتابه " الخصائص " في مسألة معيَّنة، وقال:
(وذلك أن هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحس، ولا يرجع فيه إلى إجماع، ولا إلى سابق سنة، ولا قديم ملة، ألا ترى أن إجماع النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة، لأن كل واحد منهم إنما يردك ويرجع بك فيه إلى التأمل والطبع، لا إلى التبعية والشرع) انتهى
فلا يستطيع أن يزعم زاعم أنَّ ابن جني قد أراد أنَّ إجماع النحويين ليس بحجة على إطلاقه، بل جاء في " شرح الهمع ": (قال ابن جني: ويؤيده إجماع النحاة)
وهذا دليل على أنَّ ابن جني كان يرَى إجماع النحاة.
وأخيرًا، قولك: (هل نملك دليلا على قول النحاة: الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي غير جائز، فأقول نعم)
أقول: سأجيبك عن هذا في المشاركة الأخرى، ليظهر ما المراد بفصل الأجنبي، والله أعلم، وبالله التوفيق.
ختاماً، أرجو أن يكون في ما ذكرتُه، توضيح حول ما ترغب في مناقشته، وسأستمر في المناقشة إن رأيتُ أنَّ هناك فائدة منها، أما المناقشة لمجرد الجدل، فإني أعزف عنها.
مع خالص تحياتي
ـ[قمر لبنان]ــــــــ[16 - 12 - 2004, 11:38 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا للعرندسين: أخي الأستاذ حازم، وكذلك أخي الأستاذ " أبو أيمن":
وأنا على مذهبيكما لكني سأحاول أن آتي بجديد رغم أن الأمر عسير علي بعد كلام الأستاذين الكريمين
حازم و"أبو أيمن ":
أقول وبالله التوفيق:
أولا: هناك فرق ما بين الحجة والاحتجاج
تعريف الحجة النحوية (بضم الحاء):" هي الدليل العقلي أو النقلي الذي وضعه علماء النحو لإثبات
حكم نحوي أو نفيه "
تعريف الاحتجاج: " الاستدلال بأقوال من يحتج بهم في مجال اللغة والنحو ".
" من أمثلة الحجج النقلية ما ذكره الأخفش الأوسط (ت 215 هـ) من أن " في " تأتي بمعنى
" على " محتجا بقوله تعالى: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " فقال: إنها بمعنى (على جذوع
النخل).
" من أمثلة الحجج العقلية ما ذكره سيبويه (ت 180 هـ) في " لبيك ". فقد قال: إن يونس
ابن حبيب زعم أن " لبيك " اسم مفرد وليس مثنى، وأنه في الأصل " لبى " فهومقصور قلبت ألفه
ياء مع الضمير. وحجته في ذلك أنه قاس على "عليك" فكما أن ألف " على " انقلبت ياء مع
¥