يكثر مثله في القرءان العظيم؛ كقوله: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم)، ومعلوم أنهم
إنما يقولون بأفواههم. وقوله تعالى: (فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ)،
ومعلوم أنهم إنما يكتبونه بأيديهم، وقوله تعالى: (وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)،
وقوله تعالى: (حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)، إلى غير ذلك من الآيات.
وقال عند تفسيرقوله تعالى: (بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ .. )
وقوله تعالى: (بِغَيْرِ الْحَقِّ) مع أنه من المعلوم أنهم لا يستكبرون في الأرض
إلا استكباراً متلبساً بغير الحق كقوله تعالى: (وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)
ومعلوم أنه لا يطير إلا بجناحيه، وقوله: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ)،
ومعلوم أنهم لا يكتبونه إلا بأيديهم، ونحو ذلك من الآيات، وهو أسلوب عربي
نزل به القرآن.
(3) قال الشوكاني:
في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ "
وذكر الدين بعد ذكر ما يغني عنه من المداينة لقصد التأكيد مثل قوله:
" ولا طائر يطير بجناحيه ".
وقال في قوله: " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ".
قال الأخفش إن التكرير بمعنى التأكيد مثل قوله: " ولا طائر يطير بجناحيه "
وقال في موضع:
كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك.
(4) قال أبو حيان في البحر:
قوله تعالى: " يكتبون الكتاب بأيديهم " ,
بأيديهم: تأكيد يرفع توهم المجاز، لأن قولك: زيد يكتب، ظاهره أنه يباشر
الكتابة، ويحتمل أن ينسب إليه على طريقة المجاز، ويكون آمراً بذلك، كما جاء
في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب،
وإنما المعنى: أمربالكتابة، لأن الله تعالى قد أخبر أنه النبي الأمي، وهو الذي لا
يكتب ولا يقرأ في كتاب. وقد قال تعالى:
{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}
. ونظير هذا التأكيد {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) و (ويقولُونَ بِأَفْواهِهِم}، وقوله:
نظرت فلم تنظر بعينيك منظراً ...
فهذه كلها أتى بها لتأكيد ما يقتضيه ظاهر اللفظ، ولرفع المجازالذي كان يحتمله.
وقال وفي قوله: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ}
نوع من البديع يسمى التتميم، وهو إرداف الكلام بكلمة ترفع عنه اللبس, وتقربه
للفهم، كقوله تعالى:
{وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}
(5) قال الزمخشري في الكشاف:
وما معنى زيادة قوله: {وَفِي اَلأرَض} و {يَطِيرُ بِجَنَاحيهِ} قلت: معنى
ذلك زيادة التعميم والإحاطة.
(6) وذكر المعاني المتقدمة كل من:
البيضاوي و الدر المصون وأبو السعود وبحر العلوم والقرطبي.
وعليه:
فذكر الزيادة المفهومة مما يسبقها جائزة من أوجه:
الأول: للتأكيد.
الثاني: للمبالغة , وزيادة التقرير.
الثالث: لرفع الاحتمال المتوهم.
الرابع: أنه أسلوب عربي.
الخامس: أسلوب قرآني , قلتُ: ونبوي , درج الفقهاء عليه في المختصرات.
السادس: أنه نوع بديع يسمى التتميم , وفائدته هنا تقريب المعنى للفهم.
قلتُ: وعنّ ليّ ما يوضح الثالث في خصوص مسألتنا:
قولك: " إنّ الله جميلٌ " , هكذا رسمهما ,
أما نطقها: " إن الله جميلُنْ " بنون ساكنة في آخر الكلمة ,
فلو قلنا: " جميلٌ: جميلُنْ ": علامة رفعه الضمة , وسكتنا , لتوهم
متوهم أن الضمة ليست على الحرف الآخير , إنما على قبل الآخير , لأن هذا
هو المتحقق في النطق وأصل الرسم ,
فلرفع هذا التوهم جاءوا بقولهم: " على آخره " ,
فلعل بعد هذا البحث المتواضع اتضح الأمر.
والعلم لله تعالى.
ـ[ابوعلي الفارسي]ــــــــ[14 - 06 - 2009, 10:53 م]ـ
أحسنت، وبورك فيك وزادك الله بسطة في العلم، وإني كنت قد بحثت في مظان كثيرة عن قولهم: خير الكلام ماقل ودل فلم أجده إلا منسوبا لغيررسول الله:=ولغير صحابته والتابعين رضوان الله عليهم، فهلا دللتني إلى مصدر يعزوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو إلى الحسن رضي الله عنه فتكون عند الله مأجورا إن شاء الله سبحانه وتعالى. أما قولهم: ماقل ودل فالمفهوم عندي من هذا القول أن هذا صحيح إذا كان المقام واحدا يطيل فيه أحد ويقلل آخر فيرى التقليل فيه خيرا من التطويل على أن يكون التقليل دالا، أما إذا تعددت المقامات في نص واحد كالقرآن الكريم فالأمربحسب، منه ماهو كثير طويل، ومنه ماهو قليل قصير بنحو من المناسبة بينهما، أما إذا جعلنا المناسبة بين كلام الله عزوجل في مقام وكلام مخلوق في المقام نفسه فإننا سنجد أن الله عزوجل قد جاء باللفظ القليل والمعنى الكثيركما فصل ذلك العلماء في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة179وقول العرب: القتل أنفى للقتل. فقولنا: ماناسب المقال المقام هوأحسن قولا، وقولنا: ماقل ودل يقتضي أن القليل الدال هو على كل حال خير الكلام، وهذا صحيح إذا كان بإزائه كلام طال ولم يدل، فهو قليل بالنسبة لاذاتا، وإذا كان كذلك، فماطرحته أدق، والله وحده العالم بحقائق الأمور.
¥