كَيْفَ جَمَعَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَجِيزِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ وَجَمِيعِ الْمَلْبُوسَاتِ.
وأما السنة الكريمة فجاءت واضحة في فضل الاختصار واستحبابه.
(1) حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(بعثت بجوامع الكلم ... الحديث).
وفي لفظ: " أوتيت جوامع الكلم " ,
وفي لفظ: " أعطيت .. " ,
وفي كفظ: " فضلت .. " , في لفظ: " نُصرت ... ".
والحديث برواياته صحيحة , وفي بعضها ضعف بمفرده ,
أخرجه: البخاري ومسلم وابن حبان وأبو يعلى والنسائي وغيرهم.
(2) حديث أبي وائل قال:
خطبنا عمار. فأوجز وأبلغ. فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان! لقد أبلغت وأوجزت.
فلو كنت تنفست! فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه. فأطيلوا الصلاة
واقصروا الخطبة. وإن من البيان سحرا".
والحديث صحيح ,
أخرجه: مسلم وأبو يعلى والبزار والدارقطني والطبراني وغيرهم.
(3) حديث سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف
يوم عرفة حين زالت الشمس وأنا معه فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال هذه
الساعة قال نعم قال سالم فقلت للحجاج إن كنت تريد أن تصيب السنة فاقصر
الخطبة وعجل الصلاة فقال عبد الله بن عمر صدق.
وهو صحيح ,
أخرجه: البخاري والنسائي والبزار وابن خزيمة وغيرهم.
وأما الصحابة والتابعون:
ففعلهم الاختصار كما مرّ معنا في النصوص السابقة.
وأما العلماء:
فقد درجوا على ذلك في أغلب الأحوال , والعبرة بالغالب , ومن ثم جاءت
المتون التي لا تخفى عليك في جميع الفنون , وما من صاحب متن (مختصر)
إلاّ ويستدل لاختصار بما قدمتُه سالفًا , وكذا كل شارح للمتن يفعل تبريرًا
لصاحب المتن.
ونقل الماوردي عن الخليل بن أحمد:
قال الخليل: يُختصر الكتاب ليُحفظ , ويُبْسط ليُفهم.
وقال: " الْمُخْتَصَرَ أَقْرَبُ إِلَى الْحِفْظِ، وَأَبْسَطُ لِلْقَارِئِ، وَأَحْسَنُ مَوْقِعًا فِي
النُّفُوسِ ".
والحق أن يقال: إن خير الكلام ما ناسب فيه المقام المقال، فقد يناسب المقام الإطالة كما هو الحال في آيات الأحكام الشرعية كآية الدين وآية الإرث، وقد يناسب المقام عدم الإطالة.
قلتُ: هذا الكلام هو عين قولهم: " خير الكلام ما قل ودل .... ".
إذْ ما قدمنا هو الأصل الذي بمعنى الغالب , والحكم للغالب , ولا حكم للنادر ,
والنادر لا يقدح في الغالب , ولا يزيل كونه أصلاً أو قاعدةً كما لا يخفى.
لأن الإطالة لضرورة فإذا راحت رجع الأمر إلى أصله , وهو الاختصار.
قال الماوردي:
" غَيْرَ أَنَّ لِلْإِطَالَةِ مَوْضِعًا يُحْمَدُ فِيهِ ".
قلتُ: من باب الندرة التي لا حكم لها ,
فكم آية اختصر فيها ربنا عز وجل ,وكم آية أطال فيها ,
مع أن الإطالة أراها نسبية , وليست حقيقية , ففي الحقيقة آية الدين والمواريث
ليست طويلة ,ولكنها بالنسبة لغيرها نعم.
ولذا نجد أن هاتين الآيتين تحتاجان إلى تفسير ,ولا يكتفى بهما , ولقد أعيى نفسه
من تكلف استنباط كل علم المواريث من آية المواريث فحسب.
والعلم لله تعالى.
ـ[السلفي1]ــــــــ[14 - 06 - 2009, 06:41 م]ـ
[ quote= ابوعلي الفارسي;351448]
قوله تعالى:" وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ "
بسم الله.
قلتُ ,وبالله تعالى التوفيق والسداد:
بالكلام حول هذه الأية - إن شاء الله تعالى - سيتخرج لنا صحةُ قولهم:
" على آخره " , فتأمل!
(1) قال الطبري:
فإن قال قائل: فما وجهُ قوله: " ولا طائر يطير بجناحيه "؟ وهل يطير
الطائر إلا بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟
قيل: قد قدمنا القول فيما مضى أن الله تعالى ذكره أنزل هذا الكتاب بلسان قوم،
وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم وخطابهم. إذْ كان من
كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: " كلمت فلانًا بفمي",
و " مشيت إليه برجلي", و " ضربته بيدي"، ف
خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم، ويستعملونه في خطابهم,
قال الإمام المفسر اللغوي في أضواء البيان:
والأظهر عندي في قوله: (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، أنه نوع من التوكيد
¥