فوصلها في هذا الموضع كسابقتيها، فالعذاب قد كتب عليهم، فينتقم الله منهم إذا أخرج الله تعالى الرسول من بينهم بالوفاة، أو بإخراجه بعيدًا عنهم بالهجرة. وهذه المواضع الثلاثة هي في سور مكية، وقد بطش الله تعالى بهم بعد ذلك؛ فقد أصاب العذاب من حارب الله ورسوله من رؤوس الكفر وغيرهم في بدر وما بعدها، أو مات على كفره كأبي لهب لعنه الله.
وقد قطعت في قوله تعالى: (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) الرعد. وهي سورة مدنية.
فقطع (إن ما) في هذا الموضع من سورة الرعد؛ راجع إلى أن العذاب الذي يتوعدهم الله به مقطوعًا عنهم، ولم يكتب عليهم حتى يتم الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ الذي عليه لهم، وحتى يتبين موقفهم من أمر الله تعالى.
وقد قطع العذاب عمن آمن بالله ورسوله، وتخلى عن كفره وشركه قبل موته، وأصبح من المسلمين، ومن المجاهدين في سبيل الله تعالى بعد ذلك؛ كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم، وكثير ممن هاجر قبل الفتح أو أسلم بعد الفتح من أهل مكة خاصة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السابعة: قطع (أن لم)
وردت "أن لم" في موضعين فقط، وقطعت فيهما؛
في قوله تعالى: (ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) الأنعام.
قطعت "أن لم" في هذا الموضع؛ لأن فيه تنزيه لله سبحانه وتعالى عن الظلم، وعقابه مقطوع عن الظالم حتى يحذره، ويرسل له رسولاً يبين له ما هو فيه من الشرك والكفر الموجب لعقابه، ولا يأخذه وهو غافل عن نتائج عمله دون أن يعلمه بما يستحقه من العذاب قبل ذلك.
وقطعت في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) البلد.
وكان القطع في هذا الموضع بما يوافق غفلة بعض الناس عن متابعة الله تعالى له، وهو السميع البصير، وظنه أنه سبحانه وتعالى لا يراه ولا يسمعه.
وهل لا يراه الذي جعل له عينين ليبصر بهما؟!
وهل لا يسمعه الذي جعل له لسانًا وشفتين ليتكلم بها؟!
فكيف يقدر قطع رؤية الله سبحانه وتعالى عن أفعاله؟!
فكان الرسم موافقًا لما أنكره الله تعالى على هذا أمثال هذا الجاهل الذي يظن أن رؤية الله مقطوعة عن فعله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثامنة: قطع إن لم
وردت "إن لم" في القرآن الكريم أربع مرات؛ قطعت في ثلاث منها:
في قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) المائدة.
ويرجع هذا القطع إلى أنه قد جاءهم نهي عن القول بأن الله ثالث ثلاثة، ووعيد لهم على كفرهم بهذا القول؛ فلم يأخذوا بالنهي، ولم يأبهوا بالوعيد لهم، وظلوا مقطوعين عن هذا النهي والوعيد؛ فكان القطع في الرسم تبعًا للقطع الحاصل منهم في الواقع.
وقطعت في قوله تعالى: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) البقرة.
الخطاب موجه للكافرين، وفيه تحدٍ لهم للإتيان بسورة من مثل القرآن؛ فلم يفعلوا، ولن يفعلوا، وسيظل القطع قائمًا بينهم وبين القدرة على الفعل؛ ولذلك جاء القطع في الرسم موافقًا للعجز والقطع في الواقع، وقد مرت أكثر من أربعة عشر قرنًا وعدة عقود على ذلك، فلم يقدروا على فعله، واستمر عجزهم عنه.
وقطعت في قوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) القصص.
¥