تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن قال المتكلم: إنما قصدت معنى آخر غير ما تبادر إلى أذهانكم.

قلنا له: قد أتينا إذن من سوء إفهامك، لا من سوء فهمنا، وكان الأجدر بك أن تأتي بقرائن تنصرف بها أذهاننا إلى ما أردت.

ونزيد فنقول له: ليس لك أن تكد أذهاننا، وأن تجهد قرائحنا في فهم مدلول كلامك، ولا أن تتعبنا في فهم مرادك، والنظر إن كان هناك ما يصرف هذا المعنى عن ظاهره المتبادر إلى الذهن، إما أن تأتي به واضحاً بيناً فنعذرك، وإما أن يلتبس علينا مرادك فنلقي باللائمة عليك.

وأنت تعلم أن الكلام قد يؤتى فيه المتكلم من سوء فهم السامع، وقد يؤتى فيه السامع من سوء إفهام المتكلم.

والمتكلم الذي يأتينا بكلام نفهمه على معنى معينٍ إذا تجرد من القرائن، ثم يزعم أنه أراد معنى آخر فهو الذي قد أساء إلى المعنى. وهو الذي أساء إفهامنا، لا نحن من أساء فهمه.

والحَكَمُ بين المتكلم والسامع في هذا إنما هو عرف الناس ومعهودهم في الألفاظ ومعانيها.

مثال ذلك: أن المتكلم إذا قال: رأيت كمبيوتراً لا مثيل له، صرفنا كلامه هذا إلى الحاسب الآلي لا غير، ما لم يذكر من القرائن اللفظية أو غيرها ما يصرف هذا المعنى إلى أنه رأى رجلاً ذكياً لا مثيل له.

فإن قال إنما أردتُ الرجل الذكي، وكان عليكم أن تتوقفوا حتى تتحققوا مرادي.

قلنا له: نحن نحمل كلامك على ما تعارفناه وتعاهدناه، فإن كان لك مرادٌ غير هذا فأفصح.

وعلى هذا فمثبتة المجاز أسعد حالاً من نفاته من حيث إنهم لا يتوقفون في فهم مراد المتكلم هنا، بل يحملونه على ما تعارفوه وتعاهدوه في الألفاظ ومعانيها، بل إنهم يُلزمون المتكلم بضرورةِ الإفصاح إن أراد غير ما تعارفه الناس وتعاهدوه، ولا يتركون له الحبل على الغارب يتلاعب بالسامع كيف يشاء، يتكلم بكلامٍ ثم يقول للسامع: انتظر حتى تأتيك القرينة، أو ابحث عنها، فلعلي لم أرد هذا المعنى الذي تظنه من كلامي.

ولا يكون هذا تألياً منهم و لا تحميلاً لكلام المتكلم ما لا يحتمل، بل هو حملٌ لكلام المتكلم على المتعارف المعهود، وإلزام له بأن يتقيد في كلامه بالمتعارف المعهود بين الناس، فما هو بأعلى منزلة من السامع، وما السامع بأعلى منه منزلة.

إذن ...

الأصل في المتكلم - إذا ما أراد إفهام السامع- أن يقصد إلى ما يتحقق به إفهام السامع من المتعارف المعهود في الألفاظ ومعانيها، ويسلك في هذا أوضح السبل وأجلاها، كما أن الأصل في السامع – إذا ما أراد فهم كلام المتكلم- أن يُنَزِّل كلامَه على المتعارف المعهود في الألفاظ ومعانيها، وليس هذا من التألي في شيء.

فتأمل.

2 - ليس لإجراء القسمة في مثل هذه الألفاظ إلا واحداً من معنيين أو هما جميعاً:

المعنى الأول: أنك تريد إجراء قسمة الحقيقة والمجاز بما يستتبعها من أحكام وقوانين فتقول: تُستعمل لفظة الكمبيوتر في كلام الناس اليوم للدلالة على عدة معاني (مثلاً):

المعنى الأول: الحاسب الآلي.

المعنى الثاني: الدماغ والعقل.

المعنى الثالث: العلم المعين الذي يتمكن متعلمه من التعامل مع الحاسب الآلي.

ثم تقول: قد علم أن نشأة هذا اللفظ أولاً كانت للدلالة على جهاز الحاسب الآلي ثم استعمل بعدُ للدلالة على باقي المعاني.

ثم تقول: لفظ الكمبيوتر حقيقة في الدلالة على الجهاز المعين مجاز في الدلالة على باقي المعاني.

ثم تقول: إذ وردت لفظة الكمبيوتر متجردة عن القرائن تُصرف للدلالة على الجهاز المعين ولا تُحمل عنه إلى غيره إلا بقرينة صارفة .. فلو رأيت ورقة كُتب فيها: ((شغل الكمبيوتر)) لا أعلم أي المعاني أرادها كاتبها فتُحمل هذه اللفظة على الجهاز المعين حتى تقوم قرينة صارفة.

ونقول إذا أردت هذا بمطالبتك بإجراء القسمة في هذا الجنس من الألفاظ فنقول: نحن نرى أن هذا أيضاً باطل مطلق والسبب:

إنك بهذا وإن نجوت من المستوى الأول السابق ذكره من مستويات نظرنا في إثبات فساد القسمة (وهو ضعف الأسس العلمية لضبط الوضع الأول والاصطلاح الأول) = فلم تنج من المستوى الثاني وهو أن هذا منهج فاسد في تفسير كلام المتكلم؛ إذ يجعل هذا القانون حكماً على مراد المتكلم وقاضياً بأنه أراد معنى معين قد لا يكون خطر له ببال. وهو شهادة بغير علم كان يحسن الوقوف عنها طلباً للقرائن المفسرة.

.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير