تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإنا نقضي ونحكم على مراده بما تعارفته الناس في الألفاظ ومعانيها، وهي شهادة عن علم، هو معهودُ الناس والشائع فيما بينها في الألفاظ ومعانيها، فإن أراد معنى آخر لم يخطر ببالنا فهو من أساء في أداء المعنى لا نحن، وليس له أن يكلفنا الكد والجهد في طلب مراده، إما أن يخاطب الناس على معهودهم، وإما أن يبقي مراداته لنفسه.

وليس هذا من التألي في شيء كما تزعم، بل إن التألي يلزمك ولا يلزمنا، إذ تتوقف في فهم مراد المتكلم معتذراً بأننا قد نسيء إليه في تحميل كلامه ما لم يخطر له ببال!

إذا كان المتكلم يزعم هذا فلماذا أتى في كلامه بما يوهم ويُلغزُ، ويفهمُه الناس على غير الوجه الذي أراده؟

فالذي نراه: أنه لا فرق بين معرفة الوضع الأول قطعاً أم لا = في أنه لم يعد يصلح تفسير كلام المتكلم عبره بعدما ثبت استعمال اللفظ في معاني غير الوضع الأول، فما دام ثبت استعمال اللفظ في معاني غير الوضع الأول وجب التوقف عن تحديد أن المتكلم أراد أحد المعاني حتى نجد من القرائن ما يُعين على معرفة هل أراد المتكلم المعنى الأصلي أم واحداً من المعاني الحاصلة بعده، فإن لم تُسعف القرائن المفسر بالمعنى الذي أراده المتكلم أو شئ منه وجب عليه التوقف عن القول بغير ما علمه من مراد المتكلم ويكون ما خفي عليه من المتشابه النسبي الذي يخفى لبعض الناس ويظهر لبعضهم.

.

ونحن نقول إنه لا فرق بين معرفة الوضع الأول قطعاً أم لا، ونخالفك في أن هذا صالح لتفسير كلام المتكلم. ونقول إننا – مثبتتة المجاز- أسعد منك حالاً في أننا لا نتوقف في تحديد مراد المتكلم، بل نمضي إلى فهم مراده بإنزاله على معهود الناس، ونلزمه بذلك إلزاماً لا فكاك له منه. ولا نتوقف إلا إذا لم نتمكن من تغليب أحد المعنيين على الآخر كما في "القرء" للحيض والطهر، عندها نذهب إلى طلب القرائن، أما إذا غلب على ظننا أن هذا المعنى أحق – على معهود الناس واصطلاحهم- باللفظ لمّا كان هو المتبادرَ إلى أذهانهم من ذلك اللفظ، فقد أحسنا صنعاً، وكنا أسعد حالاً.

والحالة الواحدة التي يُحمل فيها كلام المتكلم على معنى بعينه من غير وجوب بحث عن القرائن هي في حالة استعمال المتكلم للفظ يُعلم قطعاً أنه لا يستعمل إلا في معنى واحد.

.

بل هذا تحكم لا دليل عليه، ودعوى فاسدة، بل إن هذا هو التألّي الذي نسبتَه لغيرك وما أراك إلا وقعتَ فيه.

أما كل لفظ استعمل في أكثر من معنى فسواء علمنا المعنى الأول (كالكمبيوتر) منهم أم لا (كجل الكلام) = فلا يجوز القول بأن اللفظ يتجرد عن القرائن أو أن يُحمل على معنى معين هو الأصلي الأول في حالة عدم الوقوف على القرائن.

.

وهذه تألٍّ آخر تقع فيه وتنسبه إلى غيرك، فإن الناس كلها إذا ذُكرَ لفظ "كمبيوتر" هكذا مجرداً انصرفت أذهانها إلى الحاسب الآلي. ولا تلتفِتُ إلى قولك: إياكم أن تنصرف أذهانكم إليه، فإن هذا لا يجوز!

لماذا تقول بعدم الجواز؟

ألأن المتكلم قد يكون قصد إلى معنىً آخر غير الحاسب الآلي؟

فليفصح المتكلم إذن حتى لا نؤتى من سوء إفهامِه، وليأتِ بقرائنَ تفيدُ غير ما سبقت إليه أذهاننا، ولينزل على معهودنا نحن، أما أن نترك الناس ومعهودهم في الألفاظ والمعاني وننزل على معهود المتكلم أو على ادعائك وتألّيك هذا فلا.

ثم نقول: إن الصواب الذي لا مدخل للتوهم والفساد فيه: أن يقال: ما كان من هذا الجنس من الألفاظ قد عُلم المعنى الأول الذي استعمل فيه ثم علم أنه استعمل في معاني أخر = أن يقال: هذا من قبيل النقل والتطور الدلالي فيقال: وضع هذا اللفظ والصواب أن يقال: (معنى هذا اللفظ في الطبقة الأولى التي تكلمت به) هو: كذا ..

ثم تم نقله ليدل على: كذا، وكذا ..

.

يا سلام ...

بل هذا فرارٌ من لفظ "المجاز" بعد التسليم بوقوعِ مسمّاه ...

لماذا نستخدم كلمة "كمبيوتر" في الدلالة على الإنسان الذكي مثلاُ دون الإنسان الأحمق البليد، هل توسعنا في استعمال هذه اللفظة هكذا؟ أو على رأيك: هل نقلنا "اللفظة" من الحاسب الآلي إلى الإنسان الذكي هكذا؟ أو هل تطورت هكذا؟ أم أننا لاحظنا وجه الشبه بين سعة ذاكرة الكمبيوتر، وسرعة إجراء العمليات فيه على وجه عجيب متقن، فاستعرنا هذه اللفظة لندل بها على الفطن الذكي السريع البديهة؟ لماذا لم نوسع دلالة لفظ "كمبيوتر" لندل بها على "المعدة" مثلاً؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير