قد أتينا إذن من سوء إفهامك، لا من سوء فهمنا، وكان الأجدر بك أن تأتي بقرائن تنصرف بها أذهاننا إلى ما أردت.
بل مريد الإفهام يطرحُ القرائن في كلامه وإنما العيب على خسيس الهمة ..
ومن أساء الإفهام لم تكن إساءته لتبرر لنا عجلتنا وتألينا وكذبنا عليه ..
ليس لك أن تكد أذهاننا، وأن تجهد قرائحنا في فهم مدلول كلامك، ولا أن تتعبنا في فهم مرادك، والنظر إن كان هناك ما يصرف هذا المعنى عن ظاهره المتبادر إلى الذهن، إما أن تأتي به واضحاً بيناً فنعذرك، وإما أن يلتبس علينا مرادك فنلقي باللائمة عليك.
هذا كلام أجنبي عن محل نزاعنا فكلامنا عن فصحاء مقتدرين على البيان أرادوا الإفهام .. ومع ذلك أنتم تستسهلون وتتمسكون بما تزعمونه الغالب حتى تأتيكم القرائن فالقوم أرادوا الإفهام وأنتم أردتم القعود ..
ومن أساء الإفهام ليس لك أن تكذب عليه وأن تنسب له معنى لم يُرده بل توقف والتوقف أعصم لك وأهدى ..
وعلى هذا فمثبتة المجاز أسعد حالاً من نفاته من حيث إنهم لا يتوقفون في فهم مراد المتكلم هنا،
ومنذ متى كان العجول المتألي أسعدَ من الحريص المتأني؟؟!!
بل يحملونه على ما تعارفوه وتعاهدوه في الألفاظ ومعانيها، بل إنهم يُلزمون المتكلم بضرورةِ الإفصاح إن أراد غير ما تعارفه الناس وتعاهدوه،
هذه مغالطة تتكرر في كلامك!
فالعرب تتصرف باللفظة في معانيها وتأتي في كل معنى بالقرائن الدالة على مرادها .. وزعمك أن المتعارف عليه والغالب هو واحد منها وإلزامك للعربي باتباعه = كذب على العربي وتألي ومصادرة على المطلوب ..
إن استعمال هذه اللفظ المعين في كل المعاني التي استعمل فيها على السواء، وبلا أسبقية أحد هذه المعاني على الآخر، أمر يحيله واقع اللغة،
دعوى!!
بل الغالب على الظن إن لم نقطع أن العرب استعملت هذا اللفظ بإزاء أحد هذه المعاني أولاً، ثم في معنى آخر إما على وجه المشابهة أو المضادة أو الاقتران الزماني أو المكاني.
دعوى!!
بل الأرجح أنه كان بإزاء أحد هذين المعنيين أولاً، ثم استعمل في الآخر لارتباط الخارج المستقذر بالمكان المنخفض، أو لارتباط المكان المنخفض بالخارج المستقذر. وكذلك الأمر في الأسد والحمار وغيرها،
دعوى!!
وما ذكرناه من الألفاظ التي تتداولها العامة خير مثال على ذلك كما لفظ "كمبيوتر" و"راديو". إذن فقد ثبت وجود المجاز في اللغة،
كده خبط لزق!!
لا لم يثبت!!
إلا لوثبت بالدعاوى أني أني رئيس جمهورية مقدونيا:)
غاية الموجود هو استعمال اللفظ في أكثر من معنى ..
ثم قد يثبت بيقين أنه استعمل في أحدها أولاً .. ثم يُنقل لغيره ... ولا يزال تحديد كل معنى يفتقر للقرائن المعينة
وذلك-أي تحديد أنهم أرادوا هذا المعنى أولاً ثم انتقلواا للثاني- في كلام العرب وتاريخهم الغابر القديم ليس فيه سوى يقين أوظن كاذب ولا واسطة ... ولم نر للآن من أثبت أولية معنى من المعاني بدليل قاطع ..
وأمام الأستاذ بكر مائة عام ليُثبت لنا مثالاً واحداً من ذلك ...
فإنا نقضي ونحكم على مراده بما تعارفته الناس في الألفاظ ومعانيها، وهي شهادة عن علم، هو معهودُ الناس والشائع فيما بينها في الألفاظ ومعانيها، فإن أراد معنى آخر لم يخطر ببالنا فهو من أساء في أداء المعنى لا نحن، وليس له أن يكلفنا الكد والجهد في طلب مراده، إما أن يخاطب الناس على معهودهم، وإما أن يبقي مراداته لنفسه.
أما مريد البيان فقط طرح القرائن وقعد الناسُ ..
وأما من لم يُفصح فليس يعذر من كذب عليه ..
فأنتم يا عزيزي بكر تعتصمون بالمعنى الأصلي في غالب أحوالكم ومع من طرح القرائن ومع من لم يطرحها فلا داعي للخلط ..
وليس هذا من التألي في شيء كما تزعم، بل إن التألي يلزمك ولا يلزمنا، إذ تتوقف في فهم مراد المتكلم معتذراً بأننا قد نسيء إليه في تحميل كلامه ما لم يخطر له ببال!
التوقف أصبح = التألي .. ده مجاز جديد ده ولا إيه يا مولانا!!
بل نمضي إلى فهم مراده بإنزاله على معهود الناس،
امض يا مولانا ولا يهمك فتفسير كلام الناس كلأ مباح يهجم عليه الناس بالتألي والكذب وكلما جاءهم من القرائن ما قعدوا عن طلبه عوجوا وأصل إحنا ماخدناش بالنا!!
نأتي لعجيبة
أنا قلتُ:
¥