تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ):

ففيه عموم دلت عليه "من" الشرطية إذ الأصل في التكليف العموم إلا ما ورد الدليل على اختصاصه بمكلف بعينه من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بردة بن نيار رضي الله عنه: (اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ)، أو صورة بعينها كالأحكام التي خصت بصور أسبابها فلحقها التخصيص من جهة الأنواع لا الأفراد كما قرر الأصوليون.

وحرمات الله: عموم آخر فسره بعض السلف ببعض أفراده على سبيل التمثيل لا التخصيص فهو مضاف إلى معرفة، وتلك من نصوص العموم الصريحة.

فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ: ولا خير سواه، إذ أفعل منزوعة الدلالة على التفضيل فلا خير للعبد إلا ما ينجيه في دار الجزاء من امتثال الشرع المنزل في دار الابتلاء، فالسير على طريق النبوات في الأولى، وسيلة إلى السير على طريقة الأنبياء على الصراط على وزان: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، فاهدنا الصراط المستقيم في الدنيا بالسير على طريقة النبوة الخاتمة وفي الآخرة بالحشر تحت لواء خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، موافقة لأهل النعيم ومخالفة لأهل الجحيم من المغضوب عليهم والضالين، فبقدر المسارعة في الدنيا تكون المسارعة في الآخرة، وبقدر الثبات في الدنيا يكون الثبات في الآخرة والجزاء من جنس العمل.

وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ: مجمل بينه التنزيل في مواضع أخر، على ما اطرد في التنزيل من بيان مفصله لمجمله.

قال في "أضواء البيان":

"لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية الأنعام، ولكنه بينه بقوله في سورة الأنعام: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} [الأنعام: 145] وهذا الذي ذكرنا هو الصواب، أما ما قاله جماعات من أهل التفسير من أن الآية التي بينت الإجمال في قوله تعالى هنا: {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} أنها قوله تعالى في المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ والمنخنقة والموقوذة} [المائدة: 3] الآية فهو غلط، لأن المائدة من آخر ما نزل من القرآن وآية الحج هذه نازلة قبل نزول المائدة بكثير، فلا يصح أن يحال البيان عليها في قوله: {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} بل المبين لذلك الإجمال آية الأنعام التي ذكرنا لأنها نازلة بمكة، فيصح أن تكون مبينة لآية الحج المذكورة كما نبه عليه غير واحد.

أما قوله تعالى في المائدة: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] فيصح بيانه بقوله في المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} الآية". اهـ

وحذف الفاعل للعلم به بداهة، ففي مقام التشريع، وهو من أخص مقامات الربوبية: لا يكون التحليل والتحريم إلا من الرب القدير الحكيم، تبارك وتعالى، فيقضي بالحق، بكلماته الشرعيات الحاكمة وكلماته الكونيات النافذة، وقضاؤه: قضاء الحكيم لا السفيه، تعالى الملك عن أوصاف النقص، إذ القدرة النافذة بلا حكمة مظنة السفه، فلا تصير لأفعال القادر غاية، وإنما يفعل بمحض المشيئة، وفي عالم الشهادة: يكون القادر بجاهه أو ماله أو ............. إلخ: أكثر الناس إفسادا إن لم يحكم ذلك بحكمات الشرع المنزل، ولا يكون ذلك إلا بالتزام شرائع الأنبياء عليهم السلام، ولله المثل الأعلى، فإن قياس الأولى في هذا الموضع: قياس صحيح، إذ وصفا: القدرة والحكمة من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير