تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أوصاف الكمال المطلق التي يمدح بها المخلوق، فالخالق، عز وجل، بالاتصاف بهما أولى، فضلا عن ورودهما في التنزيل، وهو الأصل في باب الإلهيات.

قال في بيان تلبيس الجهمية:

"ومثل هذا القياس يستعمل في حق الله تعالى وكذلك ورد به الكتاب والسنة واستعمله سلف الأمة وأئمتها كقوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية وقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} وقوله: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} وقوله: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ}.

فإن الله أخبر أنهم إذا لم يرضوا لأنفسهم أن يكون مملوك أحدهم شريكه ولم يرضوا لأنفسهم أن يكون لهم البنات فربهم أحق وأولى بأن ينزهوه عما لا يرضوه لأنفسهم للعلم بأنه أحق منهم بالتنزيه عما هو عيب ونقص عندهم وهذا كما يقوله المسلم للنصراني كيف تنزه البتريك عن أن يكون له ولد وأنت تقول أن لله ولدا". اهـ

"بيان تلبيس الجهمية"، (2/ 142، 143).

وتلك طريقة قلب الدليل التي استعملها الإمام الباقلاني، رحمه الله، في مناظرته الشهيرة مع بطاركة النصارى.

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ:

أمر على حد الإيجاب على ما تقرر في دلالة الأمر الوضعية في علم الأصول على الراجح من أقوال الأصوليين، و: "أل" في "الرجس": جنسية استغراقية تعم كل أفراد الرجس، فهي الوصف الأعم الذي تفرع عنه الوصف الأخص: "الأوثان"، فحسن الربط بينهما بـ: "من" الجنسية البيانية، فذلك ضابط لطيف لها ذكره صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فما قبلها: نوع أو جنس أعلى لما بعدها، ولا مفهوم لها ليقال بأن من الأوثان ما هو: رجس يجتنب، ومنها ما هو بخلاف ذلك فيحل الاقتراب منه. بل وصف الرجس الأعم متحقق في كل صور جنس الأوثان الأخص.

وعموم الأوثان يشكل كل وثن مادي محسوس، أو معنوي معقول، فمن الأوثان ما يتقرب إلى مبانيها المحسوسة، ومنها ما يتقرب إلى معانيها المعقولة، فليست الأوثان: أوثان هبل واللات والعزى فقط، التي تخضع لها الجوارح على حد السجود والركوع ....... إلخ، بل منها أوثان تخضع لها العقول على جهة التأله، وإن أنكرت ذلك بلسان المقال، فالشرائع الأرضية التي زاحمت الشرائع الإلهية أوثان يتأله لها بالخضوع والاستسلام لحكمها، فذلك من آكد صور الديانة، على حد قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا): فصار الاستسلام على حد الرضا بحكم الشارع، عز وجل، من الإيمان الواجب الذي لا تحصل النجاة إلا بانتحاله، وذلك معنى مطرد منعكس، فله مفهوم نفي الإيمان المنجي عمن رد حكم الشرع المنزل فلم يستسلم له على حد الرضا.

وفي قوله: "وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" توكيد بتكرار العامل: "اجتنبوا":

والزور: جنس يعم القول وغيره، على حد قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)، فقد فسره بعض السلف بـ: الزور الفعلي من قبيل: شهود أعياد المشركين، والشرك، وعبادة الأصنام، والكذب، والفسق، واللغو، والباطل، واللهو، والغناء .............. إلخ.

وذلك من خلاف التنوع إذ دلالة "أل" الجنسية في "الزور": تعم كل أفراد الزور القولي والفعلي، والأصل في ألفاظ الوحي حملها على العموم ما أمكن إثراء للمعنى، وتوسيعا لدائرة الاستدلال بلا تكلف بتحميل الألفاظ ما لا تحتمله بأصل وضعها في اللسان العربي. فلا تهدر العمومات، ولا يتوسع في دلالاتها حتى تصير من قبيل الإشارات الخفيات إلى معان بعيدات، فذلك مما لم يعهد في التنزيل، فتلك، إن وافقت أصول الشرع: ملح مستطرفة لا عمد مستحكمة.

حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ:

حال مقيدة على ما اطرد في علاج أمراض النفس، بحملها على ترك المحظور بفعل المأمور، فلا ينهى عن غذاء فاسد إلا بعوضه من الغذاء النافع، لئلا تترك النفس خلوا، فذلك مما ينافي جبلتها الحساسة المتحركة، فإنها لا بد أن تتحرك، ولو انتصارا لباطل، إن لم تجد حقا تنتحله وتكافح دونه.

فاجتناب الرجس من الأوثان: أمر بالترك، والعدول إلى ضده من الحنيفية السمحة: فعل، فذلك، بلغة أهل الطريق، من باب: التخلية فالتحلية، فلا تزكية للقلب بالتوحيد إلا بعد تنقيته من أدران التشريك.

وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ:

وفيه، كما أشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، تشبيه تمثيلي لحال العبد إن كان متمكنا من الإيمان، فله من السكينة والطمأنينة بقدر ذلك، فإذا وقع في الشرك فهو إما مذبذب تتخطفه الظنون تخطف الطير لمزعات الطير، وإما هالك قد خر في مكان واد من الضلال سحيق، فذلك حال أهل الكفر: اضطراب وتذبذب، أو هلاك وتدكدك.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير