تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 08 - 2009, 07:48 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)

فامتنعت الهداية الكونية: هداية الانتفاع: هداية التوفيق والإلهام بخلق إرادة الإيمان في القلب، وخلق إرادة الطاعات في الجوارح وإن صحت آلات التكليف والفعل لامتناع المشيئة الكونية، وإن نالهم من الهداية الشرعية ببعث الرسل عليهم السلام ما تقوم به الحجة الرسالية عليهم، فلهم من الاستطاعة الشرعية بصحة آلات التكليف، كما تقدم، والهداية الشرعية ما جعلهم أهلا لخطاب الشارع، وليس لهم من الاستطاعة الكونية بخلق الإرادات والأفعال، والهداية الكونية بقبول خبر الرسالات، نصيب، فالمنفي غير المثبت، وبذلك يزول الإشكال في هذا الباب، إذ الجهة منفكة، فالضال ضال بإضلال الله، عز وجل، له عدلا، والمهتدي مهتد بهداية الله، عز وجل، له فضلا، فهو، تبارك وتعالى، الذي يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير، فالتذييل بذينك الوصفين مئنة من علمه بدقائق الأمور ودخائل النفوس، وتقدم علمه الأزلي في خلقه، سبب في جعل الهداية في أقوام: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فهو أعلم حيث يجعلها على حد التبليغ، وهو أعلم حيث يجعلها على حد القبول والامتثال، وحجبها عن أقوام: (أفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)، فأضله على علم منه تقدم في الأزل أنه ليس إلا أهلا للضلال، فلو وضع الهداية في محل غير قابل لها، لانتفى وصف الحكمة عن فعله، وذلك في حق الله، عز وجل، محال ذاتي، إذ علمه المحيط بأحوال خلقه: أعيانا وأفعالا، آجالا وأرزاقا، معاشا ومعادا، ذلك العلم المحيط، لا يكون إلا قرين الحكمة البالغة في تقدير الكائنات المقدرة من أعيان وأفعال على الوجه الذي تظهر به آثار قدرته وحكمته في خلقه، فبتلك الصفات الربانية: القدرة النافذة والعلم المحيط والحكمة البالغة تقع المقدرات الكونية فيتحقق معنى الابتلاء بأجناس المحبوبات والمكروهات، فإن المبتلي لا يبتلي إلا بما يقدر على إيقاعه، ولا يبتلي بسعة أو ضيق، برخاء أو شدة ........ إلخ من المتباينات الكونية لمجرد إيقاع الفعل بمحض القدرة والمشيئة عاريا عن الحكمة، بل له في كل قدر حكمة، علمها من علم، وجهلها من جهل، وفي عالم الشهادة: لا تكون حكمة إلا بعلم سابق، فلا يوصف فلان من البشر بأنه حكيم إلا إذا حصل من أصناف العلوم والفنون ما يجعل فعله أهلا للسداد والرشاد فرعا عن ذلك العلم الواسع الذي هو مظنة جودة الفكرة تصورا علميا في الذهن وجودة التنفيذ حكما عمليا في الخارج، ولله المثل الأعلى، فإن فعله، عز وجل، لا كفعل البشر، ووصفه، جل وعلا، لا كوصف البشر، بل له منهما الكمال المطلق أزلا وأبدا، فالمخلوق يفعل أولا ويعلم ويحكم الأمر ثانيا، فكماله عارض بعد أن لم يكن، صادر من فعل تقدم عليه، فيصدق فيه وصف المعرفة بعد الجهل، وذلك في حق الرب، جل وعلا، منتف بداهة، وإن اتصف بمعاني الحكمة والعلم، إذ فعله، بخلاف فعل المخلوق، هو الفرع الذي يصدر عن وصفه، فكمال فعله فرع عن كمال وصفه الأزلي، فلم يتقدم حكمته سفه أو نقص، تعالى عن وصف السوء، ولم يتقدم علمه جهل، ولذلك لا يصدق في حقه وصف المعرفة لما تقدم من حدها بالعلم بعد سبق جهل، وليس ذلك من أوصاف الرب، جل وعلا، بل هو العليم أزلا وأبدا، المحيط بالكليات والجزئيات، المطلع على الحال والمآل، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، على حد قوله تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)، فالأمر في معرض التحدي، فأسروا القول أو اجهروا به فهو العليم بمكنونات الصدور، فعلمه بالجهر ثابت من باب أولى، بل إذا خالفت العلانية السريرة فأظهر صاحبها على لسانه ما لا يخفيه في جنانه، فإنه يعلم كليهما، ويعلم الباعث عليهما، فقد يخفي تقية معتبرة، وقد يخفي نفاقا ........ إلخ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير