تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالعلم قرين الحكمة، كما تقدم، ولا يكون الاتصاف بهما على حد الكمال المطلق إلا إذا اقترنا بوصف القدرة، فقدرة بلا علم مظنة الطيش، وعلم بلا قدرة مظنة العجز، والرب، جل وعلا منزه عن كليهما، وفي التنزيل: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، فخلق السماوات والأرض على هذا النحو الباهر، ولا يكون ذلك إلا بقدرة نافذة، بداهة، ولكنه لم يخلقهما عبثا بلا حكمة، أو لمحض المشيئة إظهارا للقدرة بلا حكمة، وفي التنزيل: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)، بل خلقهما لحكمة: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) فاقترنت القدرة النافذة بالعلم المحيط، وهو، كما تقدم، قرين الحكمة البالغة، فالحمد لله الذي خلقنا بقدرته، وأتقن صنعنا بسابق علمه وحكمته، وامتن علينا بأجناس النعم الشرعية والكونية، وأعظمها نعمة النبوة الخاتمة، فهدانا بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الضلالة، وبصرنا بالوحي المنزل من العماية، فتلك لمن تأمل: أعظم النعم الربانية على النوع الإنساني الذي أنيط به التكليف، وامتحن بالاستخلاف في الأرض خلافة: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).

ثم ذيلت الآية بما يدل على انتفاء تلك المشيئة عمن سوى الله، عز وجل، على حد الإنكار الإبطالي: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وذلك أبلغ ما يكون في التقرير، إذ أثبت الفعل لله، عز وجل، ابتداء، على حد العموم باعتبار الأفراد: "كلهم"، والاتحاد باعتبار الزمان: "جميعا" إمعانا في التوكيد، ثم ذيل بنفيه عمن سواه، على حد الإنكار، وذلك أبلغ في الدلالة من النفي المجرد، فليست تلك الهداية، كما تقدم، لأحد، فلا الرسل عليهم السلام تملكها: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، فليس لها من الهداية إلا: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ): هداية دلالة وإرشاد بقرينة التعدي بـ: "إلى"، فتبصر المكلفين إلى أجناس المنجيات وأعظمها التوحيد ليلزموها، وأجناس المهلكات وأعظمها التشريك ليجتنبوها، على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، فهما من المتلازمات العقلية فلا يكون الإيمان بالواحد إلا مقترنا بالكفر بمن عداه، ولا يكون القرب منه على حد الديانة إلا باجتناب الطواغيت على حد البراءة، فليست تلك الهداية التوفيقية للرسول صلى الله عليه وعلى آله سلم ولا لأحد من البشر من باب أولى، إذ تخصيصه بالخطاب على حد التنبيه بالأعلى على الأدنى فإن ذلك إذا انتفى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وله من السلطان على القلوب محبة وإجلالا ما له، فهو عن غيره منتف من باب أولى، فليس ذلك إلا لجبار القلوب، جل وعلا، فهو الذي يصرفها كيف شاء بمقتضى قدرته وحكمته، فيقيم منها ما شاء فضلا، ويزيغ منها ما شاء عدلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 08:14 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير