تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فسوى بين العبادة والدعاء، فإن المعنى يؤول إلى: قل إني نهيت أن أعبد الذين تعبدون من دون الله، على حد قوله تعالى في معرض البراءة من الكافرين ومعبوداتهم: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)، فلا أعبد ما تعبدون من آكد صورها: لا أعبد ما تدعون من دون الله، إذ الدعاء من أخص صور العبادة التي تدل على اختصاص المدعو بأوصاف الربوبية، فالداعي لا يتوجه بالدعاء إلا إلى من يرغب في ثوابه ويرهب من عقابه، على حد قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، فكانوا يدعون على جهة الانقياد والتذلل التي لازمها: الرغب والرهب، فبالرغب تكون المحبة التي تتعلق بأوصاف الجمال الربانية من رحمة ومغفرة ........ إلخ، وبالرهب يكون الخوف الذي يتعلق بأوصاف الجلال الربانية من جبروت وإهلاك لأعداء الرسالات ..... إلخ، وكانوا مع ذلك: خاشعين، فتلك، أيضا، من صور العبادة القلبية الباطنة التي لا تصرف إلا إلى الرب، جل وعلا، فالخشوع أمر باطن تظهر آثاره على الظاهر رقة، كما كان حال السلف إذا سمعوا التنزيل، على حد قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، فتأمل هذا الخشوع في مقابل خشوع رواد الأضرحة بحثا عن التأله المفقود الذي يفتقر إليه كل حي متحرك حساس، فالنفوس قد جبلت عليه، فإن لم تعرف المألوه الحق، تفرقت قواها العلمية والعملية في أودية الباطل، ففساد في التصور، وفساد في العمل، إذ اعتقد فيما لا ينفع ولا يضر: النفع والضر على جهة الاستقلال بالتأثير، فالنبي أو الإمام أو الشيخ له من الجاه عند رب البريات ما يجعله صاحب كلمات تكوينيات نافذات، فبيده أمور النصر والهزيمة على حد:

يا خائفين من التتر ******* لوذوا بقبر أبي عمر

عوذوا بقبر أبي عمر ******* ينجيكم من الضرر

فلم يلذ برب الأرض والسماء الذي بيده ملكوت كل شيء لأنه يجهل وصفه، فلا يعرف منه إلا الإجمال في موضع يفتقر إلى البيان، ولا يتلقى بيان تلك المعاني الجليلات إلا من النبوات، والمشركون في سائر الأزمان سواء أكان شركهم اعتقاديا أم عمليا أجهل الناس بعلوم الأنبياء عليهم السلام، بل هم المجاهرون بعداوة الرسالات، بلسان المقال تصريحا كحال الملاحدة والعلمانيين الذين يقدحون صراحة في الرسالة الخاتمة فيزعمون قصورها عن مواكبة التحديات المعاصرة!، أو تلميحا بلسان الحال كحال كثير من جهلة المتعبدة من سائر الديانات الذين يطلبون صلاح قلوبهم بعين فسادها من صرف أجناس التأله التي لا تصرف إلا إلى الله، عز وجل، إلى غيره على حد الديانة تخشعا وتذللا، رغبة ورهبة، فيرغبون إلى الفقير المعدوم، ويرهبون بطشه وعقابه أكثر من رغبتهم إلى الرب الغني ورهبتهم من الرب الجبار، وذلك، ما كان، كما تقدم، إلا فرعا عن تصور فاسد، إذ جفوا في حق الرب، جل وعلا، فقصروا في معرفة أسمائه وصفاته، وغلوا في حق العبد فخلعوا عليه من أوصاف الربوبية ما نزعوه ظلما وعدوانا من رب البرية، جل وعلا، وبقدر غلوهم في حق العبد الفقير يكون جفاؤهم في حق الرب الغني الحميد.

فالضلال العملي، قرين الفساد العلمي، ولذلك قرن بين الأفاك الذي فسدت قوته العلمية، فافترى الكذب، والأثيم الذي فسدت قوته العملية، في قوله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير