تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإلهية التي جاءت بالسلاح الماضي في تلك الملاحم، سلاح: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، فالأمر شرعي، وفيه كناية عن التوسط، فلا تمنع إرادة لازمها إرادتها، إذ حال البخيل قبض اليد وحال السفيه بسطها.

فجاء رد فعلهم بعيدا عن الحق بعد أصحابه عن النبوات الهاديات فخرجوا بتصوف فكري، إن صح التعبير، خاضوا فيه في الغيبيات من إلهيات وسمعيات بأقيسة التحريبيات، فأصلوا وفرعوا بعقولهم وأهوائهم ما لا يتلقى إلا من الوحي نقلا مصدقا، وتابعهم على ذلك أرباب النظر، ولا نظر عند التحقيق، من المعتزلة ومن سار على طريقتهم من العلمانيين والعقلانيين المعاصرين الذين نحوا خبر الوحي وولوا قياس العقل قهرا في إنقلاب فكري أسود، أشبه بالانقلابات العسكرية التي وقع الكثير منها في بلاد الشرق المسلم، إذ هي، عند التحقيق، من فساد العمل الذي تولد من تولي أولئك قيادة الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية في القرن الماضي: قرن الهزائم والنكبات.

ولأمة الهند من ذلك الغلو في الزهد نصيب بل لعلهم أصله، إذ أرضهم مأوى كل مقالة حادثة ونحلة مخترعة، وأحوالهم إلا من رحم ربك عز وجل، تثير الضحك والعجب.

ولأمة فارس نصيب، إذ كان لحضارتهم طابع إباحي وهو وسط، كما تقدم، ملائم لنمو بذرة الزهد الغالي كرد فعل مضاد.

ولأمة الإسلام بعد أن فتحت عليها الدنيا كما فتحت على الأمم من قبلها، نصيب، وكتب طبقات أهل الطريق سواء أكانوا من المعتدلين أو الغلاة خير شاهد على ذلك، وكرامات كثير منهم، لا سيما المتأخرين، هي من جنس كرامات رهبان النصارى التي يستحى من ذكرها في كثير من الأحيان.

والشاهد أن الآية الأولى: قيد للإفراط بالنهي عن الإسراف.

وأما الآية التالية فهي المتممة للقسمة العقلية المتقدمة:

فـ: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ: على حد الاستفهام الإنكاري الإبطالي، إذ التحليل والتحريم من أخص أوصاف الربوبية، فلا حلال إلا ما أحله الله، عز وجل، في كتبه المنزلة أو على ألسنة رسله المبلغة، ولا حرام إلا ما حرمه على التفصيل السابق، فمن سوغ لنفسه تحريم مباح، ولو على جهة الديانة، فقد نازع الله، عز وجل، وصفه الذاتي ووصفه الفعلي، إذ بإظهاره الاستغناء عما يفتقر إليه بدنه من الرزق قد ادعى من وصف الغنى الذاتي ما هو عنه عري، فليس الغنى عن أسباب البقاء إلا لرب الأرباب، جل وعلا، فهو الغني عن كل الأسباب، المغني لكل الكائنات بتيسير أسباب البقاء لها فهو الذي أوجدها وأجراها بقدرته النافذة وحكمته الباهرة.

وبتعديه تحريما لما أحل الله، عز وجل، وإن صحت نيته، قد نازع الله، عز وجل، وصف التشريع الفعلي، فإن التشريع بالتحليل والتحريم من أخص أوصافه الفعلية، إذ له من كمال القدرة والحكمة والعلم المحيط والتدبير المتقن لأمر الكون، ما يصدر عنه كمال شرعه: أمرا ونهيا، فتدبيره الشرعي المحكم فرع تدبيره الكوني المتقن، وكمال رسالاته فرع كمال علومه وأقداره، فمن ادعى لنفسه حقا في التشريع، ولو انتصارا للديانة، بزعمه، وهذا حال كثير من أهل البدع العلمية والعملية الذين نطق لسان حالهم بالاستدراك على الوحي المنزل فقد جاءوا بما لم تجئ به الرسل، فأكملوا الرسالات بعد انقطاع الوحي!، من ادعى شيئا من ذلك فقد ادعى لنفسه من كمال الوصف المتقدم ما نقصه الحالي شاهد بضده، ومن أطاعه فهو في حد الإشراك داخل، وإن تبرأ منه بلسان الظاهر، على حد قوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)، فإذا كان هذا حال من أحل وحرم ديانة، لقصور علمه وضعف عقله إذ ظن الوحي مفتقرا إلى قوله الحادث، إذا كان هذا حاله فكيف بمن أحل وحرم إبطالا للديانة، بل زعم أنها لا تفي بحاجة المكلفين في الأعصار الحالية التي بلغت فيها البشرية أعلى درجات المدنية وانحطت لأسفل دركات الحيوانية؟!. وأصل هذا الضلال بل كل ضلال بشري: الإعراض عن خبر الرسالات تصديقا وحكمها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير