تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 08 - 2009, 07:39 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

استحضار لصورتهم بإيراد المضارع: "يعبدون"، و: "يقولون": تعجبا من حالهم في كلا الأمرين، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، فيعطون من لا يستحق من صور التأله ما لا يكون إلا للرب القادر، عز وجل، ونبه بالصلة على علة ذلك البطلان تعريضا بتلك الآلهة، فهي لا تضر ولا تنفع، وكرر النفي: إمعانا في التوكيد على عموم النفي الذي دل عليه تسلط: "لا" النافية على المصدر الكامن في: "يضر"، و: "ينفع"، وحصر علل اتخاذ المعبود، ولو على حد البطلان، كما وقع منهم، أو على حد الاستحقاق، كما هو وصف الرب المعبود بحق، جل وعلا، حصرها بشطري القسمة العقلية: إيقاع الضر وما يلزم ذلك من ضروب الرهبة من الرب المتصف بوصف الجلال، وإيقاع النفع وما يلزم ذلك من الرغبة إلى الرب المتصف بوصف الجمال، فالأول أليق بأفعاله، والثاني أليق بأوصافه، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم، فإن أغلب أوصاف الجلال: أوصاف فعل: كالبطش والانتقام والإهلاك ........ إلخ، فتتعلق آحادها بمشيئته، جل وعلا، فيبطش وينتقم ويهلك من شاء بمقتضى حكمته التي أوجبت له ذلك عدلا، فلا يظلم ربك أحدا، وفي المقابل: أغلب أوصاف الجمال: أوصاف ذات، فهو: العليم الخبير الحكيم السميع البصير ..... إلخ فمعاني الجمال في تلك الأوصاف، وكل أوصاف ربنا، جل وعلا، أوصاف كمال مطلق، معاني الجمال فيها أظهر.

وأصل ذلك: ما جبل عليه العبد من وصف الفقر، إلى التدبير الكوني الذي يكون به صلاح دنياه، والتدبير الشرعي الذي يكون به صلاح دينه، فلبدنه حاجة إلى جنس المطعوم والمشروب والمنكوح ........ إلخ، فذلك مما جبل عليه على وصف الاضطرار، فرقانا بين الرب الغني عن الأسباب والعبد العري عن وصف الرب، جل وعلا، فليس له من الغنى إلا ما كان عارية مستردة يستعين بها، إن وفق وسدد، على سد الفاقة الأعظم، فاقة القلب، إذ لقلبه هو الآخر من وصف الفقر الاضطراري والحاجة إلى معبود يتأله له: خوفا ورجاء، هيبة ومحبة، رهبة ورغبة، يقول ابن القيم، رحمه الله، في "طريق الهجرتين":

"وفى القلب فاقة عظيمة وضرورة تامة وحاجة شديدة لا يسدها إِلا فوزه بحصول الغني الحميد الذى إِن حصل للعبد حصل له كل شيء، وإِن فاته فاته كل شيء. فكما أَنه سبحانه الغني على الحقيقة ولا غني سواه، فالغنى به هو الغنى فى الحقيقة ولا غنى بغيره أَلبتة، فمن لم يستغن به عما سواه تقطعت نفسه على السوى حسرات، ومن استغنى به زالت عنه كل حسرة وحضره كل سرور وفرح، والله المستعان". اهـ

فلبدنه حاجة لا يقضيها إلا الرب بقدره الكوني، ولقلبه حاجة لا يقضيها إلا الإله بقدره الشرعي.

فالحاصل أنه لا يتصور رب، إلا بوصف الضر والنفع، فهما من أخص أوصاف الربوبية، فلا يستقل بإحداثهما وإجراء أسبابها إلا الرب القدير الحكيم، جل وعلا، فذلك من كمال قدرته وحكمته، إذ يوقع الضر، كما تقدم، بمن شاء عدلا، ويوصل النفع إلى من شاء فضلا، ولا يكون ذلك قدرة بلا حكمة، بل هو قدرة نافذة وحكمة بالغة كما تقدم مرارا.

فإذا انتفى ذينك الوصفين عن تلك الآلهة الباطلة، فلا تملك لنفسها فضلا عن غيرها ضرا أو نفعا، صارت ألوهيتها فرعا عن ربوبية باطلة، وما بني على باطل فهو باطل، فإن فساد أحكامهم العملية بصرف ما لا يصرف من أوجه التأله لغير الله، عز وجل، إنما كان فرعا عن أصل فاسد هو: فساد تصورهم العلمي، إذ اعتقدوا وصف الرب في المربوب، فاعتقدوه ضارا نافعا على جهة الاستقلال بالتأثير، ولا نصيب له في ذلك، وإنما غايته أن يكون سببا يجري الله، عز وجل، على يديه ما شاء من الضر أو النفع، فتسلط الظلمة وإفسادهم لا يدل على قدرة نافذة أو حكمة بالغة، بل قدرتهم من خَلْقِ من قدر وقوع ذلك الفساد على أيديهم عدلا، فضلا عن كونه خيرا باعتبار مآله، وإن كان شرا حاليا، فهو بهذا الاعتبار على سنن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير