تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحكمة جار، فصدوره من الله، عز وجل، على جهة القدرة والحكمة، كمال مطلق، وإن كان في المقدور شر عاجل على التفصيل المتقدم، إذ لا شر في فعل الرب، جل وعلا، بخلاف صدوره من العبد، فإنه مئنة من فقره وسفهه، إذ ما ظلم غيره إلا افتقارا إلى ما بيده، وما اجترأ على ذلك إلا سفها وقلة علم بأوصاف ربه، عز وجل، إذ هو القادر على أخذه، أو تسليط ظالم أقوى عليه، أو استدراجه فيملي له حتى يظن المسكين أن له شأنا، فيتمادى في غيه فيكون ذلك سببا في هلاكه ......... إلخ من صور القدرة والحكمة الإلهية التي تردع من تدبرها عن ظلم غيره خصوصا، وعن التفريط في حكم الشرع عموما.

والتعريض بهم بنفي ذينك الوصفين عنهم إشارة، كما تقدم، إلى استحقاق الرب، جل وعلا، ما صرفوه لغيره من أجناس التأله، إذ لما اعتقدوا فيهم الضر والنفع، دعوهم من دون الله، على حد الرهب والرغب.

فنفيهما عنهم إثبات لهما لله، عز وجل، على حد الكمال، فهما، كما تقدم، من أخص أوصاف الربوبية، فالرب هو الذي يفعل الشيء وضده على وصف الكمال، فيحيي ويميت، ويغني ويفقر، .......... إلخ، فكذلك الشأن هنا فالرب هو الذي: يضر وينفع، وليس ذلك، كما تقدم مرارا، على جهة الاستقلال إلا للرب، جل وعلا، فهو المألوه بأفعال عباده رهبا ورغبا فرعا عن كونه الرب بأفعاله ضرا ونفعا.

وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ:

على حد ما تقدم من استحضار الصورة تعجبا، فحجتهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، وهي حجة كل مشرك مصرح أو متلبس بفعل الشرك وإن كان لا يعلم، فهو بالجهل معذور، على تفصيل في ذلك، ولا يخرج ذلك فعله عن وصف الذم، ففعله في الحالين: شرك، وإن اختلف حكم المصرح العالم، والمتأول الجاهل، لا سيما مع تسلط أرباب الضلال من الرهبان وسدنة الأوثان الذين يلبسون على الناس دينهم فيهونون عليهم الوقوع في الشرك، فهو توسل مشروع بالصالحين ذوي الجاه إلى الرب، جل وعلا، وإن أدى إلى دعائهم من دون الله، على حد اعتقاد استقلالهم بالتاثير في المقدورات الكونية، فصارت المقابر والمشاهد: مجامع لقضاء الحاجات، ومشافي لعلاج الأدواء ....... إلخ، ولكل طالب حاجة مشهد بعينه تقضى عنده حاجته، فمشهد لأمراض النساء والولادة، ومشهد لعلاج البهائم، ومشهد لنجاح الأبناء في الامتحانات ......... إلخ.

وقد أكدوا زعمهم بـ: تعريف الجزأين: هؤلاء شفعاؤنا مع الإشارة إليهم بإشارة البعيد، على حد التعظيم، زعموا، وليست معبوداتهم أهلا لذلك، فهي إما حجارة لا تنفع، وإما خيالات توهموها في أفاضل، فخرجوا بها عن حد الحقيقة الخارجية، فعبدوا أعيانا لا وجود لها في الخارج، فلا يجمعها مع الحقائق الخارجية إلا الأسماء، فهي على حد الاشتراك اللفظي، كمن غلا في المسيح، عليه السلام، فاعتقده إلها، وما هو إلا عبد رسول وكلمة ألقيت إلى البتول عليها السلام، فمن عظمه على حد الألوهية فقد عبد مسيحا لا وجود له خارج ذهنه، ومن عظمه على حد العبودية والرسالة، فقد عظم المسيح الموجود، ذلكم العبد الصالح والرسول النازل في آخر الزمان برسم التوحيد المبطل لما اعتقد فيه من الألوهية والثليث.

فالرسل، عليهم السلام، أعظم من اتصف برسم الحنيفية، فبها بعثوا ولها انتصروا، فجاءوا ببيان مجملها، وإصلاح عوجها.

قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ: على حد الإنكار الإبطالي المشوب بالسخرية والتهكم، وهم لذلك أهل، فآل المعنى إلى: أتخبرون الله، عز وجل، بأن له شفعاء في الأرض أو في السماء، فذلك عن حد علمه خارج؟!، وإلى طرف من ذلك أشار البغوي، رحمه الله، بقوله:

"ومعنى الآية: أتخبرون الله أن له شريكا، أو عنده شفيعا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه شريكا؟! {فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير