تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهو من جنس قول الفلاسفة الذين زعموا أن الله، عز وجل، يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، فعلمه مجمل يفتقر إلى بيان!، ومن جنس قول من قال: إن الله يعلم بعض قولنا ولا يعلم بعضا فيعلم ما نجهر ولا يعلم ما نخفي، على حد قوله تعالى: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

فمرد الأمر، كما تقدم، إلى فساد التصور الأول، فذلك ظنهم برب العالمين إذ نسبوا له من وصف النقص ما كان ذريعة إلى فساد أحكامهم العملية، فإن من لم يعتقد تمام اطلاع الرب، جل وعلا، على حاله، سريرة وعلانية، إجمالا وتفصيلا، دقة وجلالا ......... إلخ، فإنه لا محالة صائر إلى فساد من العمل عظيم، ولذلك كان الإحسان أعلى مراتب الدين، إذ فيه من تمام المراقبة للعليم الخبير بدقائق الأمور ودخائل النفوس ما يحول بين العبد ومعصية الرب جل وعلا، فاستشعار تلك المعاني الجليلات ذريعة إلى صلاح أعمال القلب، فإذا صلح الملك صلحت الأجناد، فظهر عليها من بركة معرفة أوصاف الرب، ما يصلح به أمر الدنيا والدين، ولا يكون ذلك إلا من طريق النبوات الهاديات التي فصلت القول في الإلهيات والسمعيات العلميات وأشبعت نهم العباد إلى العمل بما قررت من الحكميات العمليات، فكفت العباد شر الابتداع، فلسان حالها لسان مقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ".

ولسان مقال المسيب بن رافع رحمه الله: "إنا نتبع ولا نبتدع، ونقتدي ولا نبتدي، ولن نضل ما تمسكنا بالآثار".

فلن نضل ما تمسكنا بآثار النبوات فاقتفيناها جمعا وتحريرا، حفظا وتدريسا، علما محققا وعملا مصدقا.

فتعالى الحكيم العليم عن وصف السوء أو النقص علوا كبيرا فإن له كمال ضد ما ادعوه له من وصف النقص، فعلمه محيط بالجلائل والدقائق، فهو العليم بالظواهر الخبير بالبواطن.

ثم ذيل سبحانه بتنزيه نفسه عن وصف السوء، إمعانا في إبطال مقالتهم:

فـ: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 09 - 2009, 09:15 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

فَاسْتَقِمْ: في كل شأنك: في علمك وعملك، فالاستقامة أعظم كرامة، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم، وحد الاستقامة: مجمل بينه ما بعده، فهو جواب سؤال دل عليه السياق اقتضاء، فحذف إيجازا على ما اطرد في لسان العرب من الحذف إيجازا لما دل عليه السياق ضرورة واقتضاء، فكأن السامع قد تبادر إلى ذهنه السؤال عن حد تلك الاستقامة، فعلى أي طريقة يستقيم، وقد تعددت الطرق والمسالك، وكل يرفع راية: الخلاص والنجاة، مطلوب كل العقلاء، فالدعاوى غزيرة، والأدلة شحيحة، إذ الحق واحد لا يتعدد فما سواه إما أن يستدل بنقل مكذوب أو فهم مغلوط، فيؤتى من قبل جهله بأصول الرواية في أمر الديانة، أو من قبل جهله بأصول الفهم والدراية فلا قياس صحيح ولا لسان مستقيم يضع الألفاظ حيث أراد قائلها، فلا يتصرف في معانيها بترا من السياق، وتوسيعا أو تضيقا في الاستدلال على ما اطرد من طريقة أصحاب المقالات في النحل والديانات.

فجاء الجواب: (كَمَا أُمِرْتَ): رافعا لذلك الإجمال، فلا استقامة إلا على طريق النبوات، فوحدها التي استقلت ببيان الحق على حد التفصيل: علما وعملا، فعلومها، كما تقدم في أكثر من مناسبة: أنفع العلوم، وأعمالها: أصلح الأعمال للقلوب والأبدان، فقد جاءت النبوات بأسمى الوظائف العلمية والعملية، وظائف: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ): فاعلم وصف أشرف معلوم وما يجب له من كمال الذات والأسماء والصفات والأفعال، واعلم ما يجب عليك من توحيده بأفعاله، واعلم ما يجب عليك من توحيده بأفعالك تألها وتعبدا، فلا تخضع إلى سواه، ولا تسجد إلا له، ولا تقترب اقتراب العبد الذليل من السيد العزيز إلا منه، فاجعله قبلتك،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير