تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففيه تحب وفيه تبغض، وله تنتصر، وله ترضى، وله تغضب، فبالإسلام تحيى، وعلى الإيمان تموت، فحالك العملي في أثناء سفرك إليه لدعواك مصدق، وحالك العلمي في النهاية برهان مؤكد.

وَمَنْ تَابَ مَعَكَ: فهم داخلون في حد التكليف، وإن لم يذكروا إذ الأصل في خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العموم إلا إذا ورد الدليل على إرادة الخصوص، فذلك على وزان: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، فليس ذلك خطابا خاصا بمقام النبوة، بل هو عام لكل من تولى أمر الأمة من بعده، فهو آخذ لها بموجب منصب الإمامة، وذلك منصب يتولاه غيره بعده بداهة، بخلاف منصب النبوة إذ لا نبي بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والشاهد أنهم داخلون في حد الخطاب وإن لم يذكروا، إذ الاستقامة فرض على كل مكلف، فكيف وقد ذكروا، ففي ذكرهم مزيد توكيد وعناية.

ثم جاء النهي عن ضد لازم الاستقامة إذ الاعتدال من لوازمها، ومقابله الطغيان المنهي عنه: (وَلَا تَطْغَوْا): فهو من عطف المتلازمات العقلية إمعانا في التقرير، إذ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، وعن ضد لوازمه من باب أولى، فالنبوة: عدل، والاستقامة عليها مؤداها: الاعتدال والتوسط في كل الأقوال والأعمال، فلا غلو ولا جفاء، ولا تلبس بما لا يصح في حق المخلوق من مجاوزة الحد بالطغيان بادعاء ما ليس له من أوصاف الغنى والكمال، وهو على النقيض من ذلك: متصف بفقر الاضطرار ونقصان البدء والانتهاء، فحاله ضعف، فقوة لا تنفك عن حاجة إلى الأسباب، فليست ذاتية، وإنما هي عارية، تفضل بها الرب، جل وعلا، وتفضل بما يحفظها من أسباب الصلاح، فأفاض عليها من الأسباب الكونية ما به تنمو، وأفاض عليها من الأسباب الشرعية ما به تزكو، فعم فضله: الدنيا والدين، البدن والروح، الظاهر والباطن، فله الفضل كونا وشرعا، وأشرف أجناس الفضل ما كان بالمآل ألصق، فالفضل الشرعي أشرف جنسا من الفضل الكوني، وإن كان لكليهما من الفضل ما يليق بمن عنه صدرا، إذ الكوني غايته: صلاح الحال، والحال وإن طال واستقام فمآله إلى زوال، بخلاف المآل الباقي الذي يتعلق به الشرع الهادي، فهو دليل النجاة فيه.

والشاهد أن حاله: ضعف فقوة، على التفصيل المتقدم، فضعف بالمشيب والهرم، فالفقر والضعف وصف ذات لازم له أبدا، فلا وجه للطغيان، ولا علة موجبة للاستكبار.

ثم ذيل بعلة الأمر والنهي، على ما اطرد من التلازم بين التكليفات الإلهية والأوصاف الربانية فعلة ذلك:

إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ: فله كمال علم الإحاطة بالسر والعلن، بالباطن والظاهر، فذلك أدعى إلى مراقبته على حد الإحسان، فإنه يرى العبد في كل أحواله، فلا يسع العبد إلا مراقبته في أقواله وأفعاله، فلا يقول إلا ما يرضيه، ولا يعمل إلا ما يقربه منه ويدنيه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 09 - 2009, 08:25 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)

فالمضارع: "يعلم": مئنة من الاستمرار والتجدد فعلمه، عز وجل، أزلي أبدي باعتبار قيامه بالذات القدسية قيام وصف الذات بالذات، فلا ينفك عنها، وهو باعتبار تعلقه بآحاد المعلومات متجدد، ففي كل لحظة ما لا يحصيه إلا الله، عز وجل، من المعلومات الكونية التي علمها الله، عز وجل، أزلا، فجرى بها القلم الكوني في اللوح المحفوظ، وأوجدها في عالم الشهادة فأحصاها، فعلمه بها قد عم كل الأحوال والمحال، فعلمها حال العدم وحال الإيجاد، في اللوح المحفوظ وفي العالم المشهود.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير