تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 09 - 2009, 07:58 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)

إذ ذلك هو قطب رحى الملة، فالإخلاص: شرط في قبول العمل باعتبار المآل، فذلك مما لا يجزم به أحد، وإن كان العبد مطالبا على الدوام بإحسان الظن بالرب، جل وعلا، لئلا يقع في نوع يأس أو قنوط يحمله على ترك العمل، فذلك من تخويف الشيطان، الذي يوسوس للعبد فيرجح جانب الخوف على الرجاء ترجيحا يخرج به عن حد الاعتدال، فيصير خارجي المسلك، مقنطا لنفسه ولغيره من رحمة الله، عز وجل، وغالبا ما يكون ذلك حال من أوغل في العمل على غير هدي النبوة فجانب الاعتدال، ومال إلى الغلو، فعمله كثير وعلمه قليل، فلا ضابط لقوته العملية التي هي مظنة الحمية الدينية، وذلك أمر محمود، إذ تلك الحمية مئنة حياة القلب، ولكن المذموم هو افتقاره إلى القوة العلمية التي تلجمها بلجام الشرع، فنجيء أفعاله على رسم النبوة التي تراعي المصالح والمفاسد المعتبرة، فتدرء المفسدة العظمى وإن فوت ذلك مصلحة صغرى لا تفوق تلك المفسدة، فلا اعتبار للأدنى في مقابل الأعلى، وتدرء أعظم المفسدتين بارتكاب أصغرهما، وتقدم أعلى المصلحتين بإهدار أدناهما ............. إلخ من الضوابط الدقيقة التي لا تتلقى إلا من مشكاة الوحي، الذي لا يقتبس منها إلا من كان ذا حظ من العلم، فعنده، كما تقدم، من القوة العلمية ما يجعله بيصر في حوالك الفتن، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فليس كل من رزق إخلاصا في العمل بناج حتى يشفع ذلك بعلم يفل سيف الهوى، فلا سلطان لغير الشرع المنزل على كل أحواله: باطنا وظاهرا، علما وعملا، فكم ضل أناس لبس عليهم الشيطان، فاختلطت عليهم الإخلاص بحظ النفس، فانتصروا لحظوظ أنفسهم وشهواتها الخفية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولا يحمل أمر هذا الدين إلا من تجرد من شهوات النفس، وأعظمها وأدقها فلا يكاد يدركها إلا آحاد المخلصين: شهوة الرياسة، فهي كما يقول ابن القيم، رحمه الله، آخر ما يعلق بقلوب الصديقين من حظوظ النفس. والكلام على الإخلاص كالكلام على الصبر على الابتلاء: أمر يخف على اللسان قولا، ويثقل على النفس عملا، إذ ليس لها فيه حظ، إلا من رحم الله، عز وجل، فامتن عليه بدوام المراقبة، ولا بد للقلب من لحظات غفلة، ولا بد للنفس من لحظات فترة، فذلك مما جبلت عليه، فالتسديدَ والمقاربةَ، على حد الإغراء، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حد الإرشاد في قوله: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا".

والنية: شرط في صحة العمل باعتبار الحال على رسم أهل الفقه، ممن لهم عناية بضبط هيئات وشروط وأركان وواجبات وسنن العبادات، وعمدتهم في الاستدلال على ذلك هذه الآية، وحديث عمر، رضي الله عنه، مرفوعا: "إنما الأعمال بالنيات".

واختلفت أنظار أهل العلم في شرطيتها أو ركنيتها، وجمع بعضهم، كالحافظ رحمه الله، بين الوصفين، فهي شرط باعتبار تقدمها على العمل، إذ هي التصور العلمي الذي يسبق الحكم العملي بداهة، وهي شرط باعتبار لزوم استصحابها طوال زمن العبادة بألا يأتي بناقض لها، وهي باعتبار سقوطها بالإتيان بها في أول العمل، فلا يضره إن ذهل عنها أثناءه ما لم ينو نقضها، هي بهذا الاعتبار ركن، وسواء قيل بهذا أو ذاك، فهي من عظم الشأن وجلالة القدر بمكان إذ هي: الأصل الجامع وما عداها من أعمال الجوارح: الفرع الصادر.

والقصر في الآية على حد النفي والاستثناء: أقوى أساليب القصر، فإما أن يقال بأنه حقيقي في مقام بيان العبادة المعتبرة شرعا، وإما أن يقال بأنه إضافي باعتبار ما هم عليه من الشرك، فيكون مجيئه على هذا النحو من قبيل قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، وقد أوحي إليه غير ذلك من التكليفات الشرعية العلمية والعملية، ولكن سياق النقض لما هم عليه من الشرك قد سوغ وقوع القصر ادعاء ومبالغة في تقرير ضد ما هم عليه، فكذلك الشأن هنا: فالسياق ناقض لما هم عليه من الشرك والكفر، فساغ قصر الأمر على العبادة الخالصة من شوائب الشرك: قصرا ادعائيا في معرض

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير