تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المبالغة في إبطال طريقتهم، فقد أمروا بغير ذلك في مواضع أخر.

والحال: "مخلصين": حال مؤسسة، فليست فضلة بالنظر إلى المعنى، وإن كانت فضلة بالنظر إلى المبنى، فالمأمور به ليس العبادة على حد الإطلاق، إذ قد يشوبها من الرياء أو الشرك الصريح ما يبطلها، على حد قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)، وإنما المأمور به هو العبادة على حد التقييد بالإخلاص، فتلك هي العبادة المعتبرة شرعا كما تقدم.

والحال الثانية: "حنفاء": جارية مجرى اللازم عقيب ملزومه إذ لازم الإخلاص والإقبال على الله، عز وجل، العدول والميل عن غيره، فالحنيف مائل إلى الله، عز وجل، وذلك حد الإخلاص، مائل عن غير الله، عز وجل، وهذا حد تجريد العمل، فالشق الأول: ثبوتي، والشق الثاني: سلبي.

وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ: على حد المصدر المؤول على تقدير: وأن يقيموا، فحذف الناصب لدلالة المتقدم عليه، على ما اطرد من لغة العرب، والإتيان به آكد من الإتيان بالمصدر الصريح إذ فيه من معاني استحضار العبادة ما ليس في المصدر الصريح.

والعطف: عطف خاص على عام، إذ الصلاة والزكاة من جملة الدين، وإنما أفردا بالذكر تنويها بشأنهما.

وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ: فالإضافة فيه، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، من إضافة الموصوف إلى وصفه على تأويل: ذلك الدين القيم، وتكون التاء للمبالغة على غرار: "علامة" و: "نسابة"، ودين الله أحق ما وصف بذلك إذ بعلومه: قيام القلوب، وبأعماله: قيام الأبدان، أو يضمن الدين معنى الملة أو الشرع، فيكون التأويل: وتلك الملة أو الشرعة القيمة.

وقال بعض أهل العلم هو من الإيجاز بحذف الموصوف، على تقدير: دين الأمة القيّمة أو دين الكُتُب القَيمة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 09 - 2009, 08:26 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ):

فلفظا: "دابة" و: "طائر": نكرتان في سياق نفي فتفيدان العموم الذي أكد بدخول: "من" وتكرار النفي في: "ولا طائر"، فكل الدواب، وحملها على الحقيقة اللغوية في هذا الموضع أليق من حملها على الحقيقة العرفية المحصورة في ذوات الأربع، لدلالة العموم المؤكد الذي يرفع احتمال التخصيص بالعرف، كل الدواب والطيور أمم أمثالكم، وقد استوفى اللفظان: أجناس الخلق باعتبار المحل: فالدواب إنما تدب على وجه الأرض، والطيور إنما تطير في جو السماء، وذانك: المحلان المشهودان: الأرض المقلة والسماء المظلة.

ووصف: "يطير بجناحيه" من باب الوصف الكاشف الجاري على سنن التوكيد في الآية على وزان قولك: رأيته بعيني، والرؤية لا تكون إلا بالعين بداهة، وإنما نص عليها رفعا لاحتمال المجاز، وهو الرؤية العلمية، ولو كان مرجوحا لكونه خلاف الأصل عند إطلاق لفظ الرؤية، فلا يصار إليه إلا مع ورود القرينة المعتبرة.

وقد يقال بأن من الطير ما لا يطير ولو كان ذا جناحين كأغلب الطيور المنزلية فألحقت بالدواب، وأفردت الطيور التي تطير بالشطر الثاني من القسمة العقلية فالخلق المشهود: دواب أرضية وطيور سماوية.

ولا يعني ذلك قصر المخلوقات على ذينك القبيلين، فإن من الخلق ما لا تدركه حواسنا الظاهرة من عوالم الملائكة والجان ........ إلخ، فهي تشترك مع الأمم المذكورة في كونها أنواعا شتى، فالملائكة قد تنوعت وظائفهم فمنهم الموكل بالوحي، ومنهم الموكل بالقطر، ومنهم الموكل بنفخ الروح، ومنهم الموكل بقبضها ......... إلخ، والجان قد تنوعت قبائلهم فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، ومنهم الذكر ومنهم الأنثى، فالذرية في قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)، لا تكون إلا من جنسين متقابلين على حد الزوجية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير