تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 09 - 2009, 08:22 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).

ففيه استهلال بديع، كما يقول صاحب: "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ صيغة تفاعل دالة على الكثرة والسعة، والكثرة والسعة في هذا الباب: كثرة لأوصاف الكمال المطلق، وسعة ذات وصفات فهي على حد الكمال المطلق، وذلك جار على أوصاف من قبيل العظمة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع أخر، فعظمته، جل وعلا، عظمة ذات وصفات، كما أن سعته سعة ذات وصفات، فالمفاعلة هنا من باب الزيادة في المعنى فرعا عن زيادة المبنى في الفعل الدال على البركة.

قال البيهقي، رحمه الله، في "الاعتقاد":

"قال أبو منصور الأزهري: معنى تبارك: تعالى وتعظم. وقيل: هو تفاعل من البركة، وهي الكثرة والاتساع". اهـ

فليست على حد التشارك، كما يتبادر إلى الذهن من صيغة المفاعلة، إذ لا تتصور شركة مع الرب، جل وعلا، في أوصاف كماله، فإن الاشتراك فيها إنما يقع في المعاني الكلية المجردة في الأذهان، دون الحقائق الخارجية في الأعيان، فهي من قبيل المشتركات المعنوية، فمعاني العلم والسمع والبصر، مطلقات في الذهن، مقيدات في الخارج بمن قامت به، فللرب، جل وعلا، وصف كمال مطلق فرعا عن كمال ذاته المطلق، وللمربوب وصف يليق بذاته التي يعتريها من أعراض النقص ما يعتريها، بل النقص وصف ذاتي لازم لها أبدا، لتظهر كمالات ربنا، جل وعلا، بملاحظة أضدادها من أوصاف المربوبات الناقصات، فالرب: رب، والعبد: عبد، فلكل حقيقة ولكل وصف، فتبارك ربنا ذو الجلال الإكرام الذي اتصف بما لا يحيط العقل بكنهه.

والتصدير بهذا الفعل توطئة لتنزيه الرب، جل وعلا، عما ادعاه المشركون له من الصاحبة والولد، فقد تواطأ كثير من أهل الشرك على نسبة النقص إلى الله، عز وجل، بادعاء افتقاره إلى ولد يعضده أو يأنس به، على حد القياس الفاسد على المربوب المفتقر إلى الولد الأنيس العاضد، فتبارك ربا كامل الوصف، فهو الذي:

نزَّل الفرقان: على حد التنزيل المتكرر، فزيادة المبنى هنا، أيضا، مئنة من زيادة المعنى بالتكرار، إذ نزل نجوما متتالية لحكم ربانية باهرة جاء النص على بعضها في نفس السورة في موضع تال: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)، فاقترحوا نزوله جملة واحدة كبقية الكتب السابقة على حد الحض في مقام التحدي بورود الفعل: "نزل" بعد: "لولا"، فقولهم لا يخلو من تعسف وتكلف في اختلاق أي شبهة مانعة من قبول الحق، فلو نزل جملة واحدة ما آمنوا به، فالأمر لا يعدو كونه: محض تحكم، كما اطرد في مقالتهم في شخص الرسول: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا)، ولو نزل عليهم الملك مبلغا ما آمنوا، فهذا جدال في شخص النبي المرسل، وذلك جدال في وصف الكتاب المنزل، وهو من الجدال بالباطل، فليست سؤالاتهم على حد التحري والاسترشاد، بل هي على حد العناد والاستكبار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير