تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتعريف بالموصول مئنة من العناية بالمعنى الذي اشتقت منه جملة الصلة، فالمقام: مقام إنذار لأولئك الذين قدحوا في وصف الرب، جل وعلا، فكان ذلك ذريعة إلى اتخاذ أرباب سواه، فلا ينفك الفساد في العلم السابق عن فساد في العمل اللاحق، كما تقدم مرارا، فما قدروا الله، حق قدره، في توحيده العلمي بأوصاف وأفعال الربوبية، فجاء النص على ضد ما اعتقدوه فيه من نقصان الملك أو الافتقار إلى الولد: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ).

فله وحده على حد الحصر والتوكيد ملك السماوات والأرض: على حد التصرف في الأعيان مُلكا والأحوال مِلكا، فهو المالك وصفا لذاته لا ينفك عنه، فأعيان الخلائق له مملوكة، وهو الملك الذي يجري المقادير الكونية ويدبر الحوادث العلوية والأرضية بمقتضى أوصاف أفعاله فهو الفعال لما يريد، على حد الاختيار فلا موجب يوجب عليه، فذلك من قدرته، وهو الذي: (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) فذلك من حكمته، فالخلق لا يكون إلا بقدرة نافذة، ولا يمدح فاعله إلا إذا كان على سنن الحكمة جار، فهو خلق قد عم كل الكائنات فلا مخصص له، ولا يدخل فيه شيء من ذات أو أوصاف الرب، جل وعلا، بداهة، إذ عموم كل بحسب السياق الذي ترد فيه، وسياق الخلق يفتضي خالقا موجِدا، ومخلوقا موجَدا، والتباين بينهما في الذات والوصف أمر بدهي، فلا يشارك الخالق المخلوق وصف الحدوث والخلق، وهو مع ذلك: خلق مقدر، قد بلغ الغاية في الإحكام والإتقان، فاجتمعت فيه: القدرة إظهارا لجلال الرب، جل وعلا، في نفاذ إرادته، والحكمة إظهارا لجماله، تبارك وتعالى، فعلمه أزلي محيط، وتلك صفة الصانع الماهر في عالم الشهادة إذ يسبق صنعته إلمام بدقائقها، ولله المثل الأعلى، فإن علوم الصناع في عالم الشهادة مكتسبة، وعلمه، جل وعلا، ثابت من الأزل، فأزليته من أزلية الذات، إذ هو من أوصافها التي لا تنفك عنها، كما تقرر في حد أوصاف الرب، جل وعلا، الذاتية.

وما قدروا الله حق قدره في توحيده العملي بأفعالهم، فجاء النص على ذلك في معرض التوبيخ بالتنبيه على نقصان معبوداتهم، فالخبر، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، على حد التعجب لا الإفادة:

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا)

فليس لهم تصرف في الأعيان بالخلق، وليس لهم تصرف في الأحوال بالنفع أو الضر، لا في أنفسهم، ولا في غيرهم، وتعديد أوجه النقص بتعداد أوجه النفي مما يلائم السياق المبطل لتلك الآلهة، إذ ذلك بمنزلة تعدد الأدلة على المدلول الواحد فذلك مما يقوي الحجة ويدحض الشبهة، فالأمر قد صار يقينا جازما لا شك فيه بتعدد الأدلة النقلية والعقلية والحسية على قدرة الرب، جل وعلا، وعجز ما سواه من آلهة الباطل.

وقوله تعالى: (ضَرًّا وَلَا نَفْعًا): كناية عن عموم الأحوال فلا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا رزقا ولا خلقا ......... إلخ، فهو على حد قول القائل: لم يسر فلان لا شرقا ولا غربا، كناية عن قعوده في مكانه، وذلك من قيبل الإمعان في بيان عجز تلك الآلهة الباطلة عن وصف الربوبية الفاعلة التي بها استحق الرب القدير، جل وعلا، كمال التأله بأفعال عباده.

وقوله تعالى: (عبده): مئنة من التكريم بذكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الموضع الشريف موضع تنزيل الوحي على قلبه، بذكره في هذا الموضع بأشرف أوصافه: وصف العبودية الاختيارية.

ولما كان المقام مقام زجر، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، جاء وصف الكتاب بالنذير دون البشير مع تضمنه البشارة للمؤمنين في مقابل النذارة للكافرين كما اطرد في آي الترهيب والترغيب من الجمع بين المتقابلات.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 09 - 2009, 07:57 ص]ـ

ومن خبر الهدهد في سورة النمل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير