تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ

فذلك من البيان بعد الإجمال في قوله: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)، فوجد امرأة تملك أمة فيها من الرجال من اكتملت بناهم البدنية وضعفت بناهم العقلية حتى ألجئوا إلى تولية امرأة عليهم مع ما جبلت عليه النساء من ضعف العقل، وقوة العاطفة، وتلك أمة يغلب على الظن فساد حالها علما وعملا، وهو ما وقف عليه الهدهد، فحالهم في أمر الدين: سجود للشمس، وحالهم في أمر الدنيا: خضوع إلى حكم امرأة!. والتلازم بين فساد الدين والدنيا أمر مطرد في كل الأعصار والأمصار، والتلازم بين فساد الأحوال وتولي النساء أمر على ذات الحد من الاطراد، ولعل حال المجتمعات التي تقمصت فيها النساء أوصاف الرجال: صورا ظاهرة وحقائق باطنة، فلهن من خشونة الطبع الباطن وجرأة الوصف الظاهر ما يناقض ما جبلت عليه إناث ما قبل عصر الذرة من الرقة والحياء والاستتار، لعل حال تلك المجتمعات خير شاهد على فساد الحال إذا ترجل النساء وتأنث الرجال.

وفي ذلك الزمان كان تولي المرأة الملك أمرا يثير العجب حمل الهدهد على تنكير: "امرأة" تعجبا، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهو على حد جواز الابتداء بالنكرة إذا قصد بها التعجب فهو بمنزلة الوصف، على حد قولك: بقرة تكلمت، فكلام البقرة أمر يثير العجب لعدم اطراده، فنزل ذلك منزلة الوصف، على تقدير: بقرة عجيبة الشأن تكلمت، فسوغ ذلك الوصف المقدر الابتداء بالنكرة فكذلك الشأن في تعجب الهدهد.

ومن وصفها: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: مما يؤتاه الملوك من أبهة الملك، فعموم "كل" بحسب السياق الذي ترد فيه، إذ لم تؤت ملك سليمان عليه السلام بداهة، فملكها لم يتجاوز سبأ، وذلك حال كل ملوك الدنيا، إذ ملكهم مقيد بما تحت أيديهم، فلا يملكون ما جاورهم من الممالك، إلا بالقهر والمغالبة، فيظهر من نقص الملك المقهور، ما ينقض أبهته، وتجري سنة الهرم التي تعتري الأبدان على الملك المنصور، فملكه إلى ضعف وزوال لا محالة، كما أن بدنه إلى ضعف وزوال لا محالة، فلا يبقى إلا الملك، عز وجل، ذي الملك التام، فلا غالب له، وذي الحياة التامة فلا زوال له.

وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ: على حد الحصر والتوكيد، وتنكير العرش مئنة من التعظيم الذي جاء النص عليه، وعظمته إنما تكون بالنسبة إلى عروش أصحاب الممالك الأرضية، ولعل ذلك ما جعله ينكر اللفظ إذ له في الشاهد: نظائر، بخلاف تعريفه اللفظ في نهاية مقالته: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) لما كان العرش: عرش الرب، جل وعلا، فهو: "العرش العظيم"، الذي حُلِّي بـ: "أل" العهدية الذهنية فذلك مظنة التفرد فليس له في الوجود نظير، وإن اشترك مع عروش أهل الدنيا في اللفظ والمعنى الكلي المشترك، فذلك مما لا يوجب الاشتراك في الحقيقة الخارجية فلكل عرشه الذي يليق بوصفه، فعظم عرش الرب، جل وعلا، من عظم شأنه المطلق، وعظم عروش الملوك في عالم الشهادة من عظم شأنهم المقيد، فمهما أوتوا من أبهة الملك، فإنهم لا ينفكون عن وصف الافتقار إلى الرب، جل وعلا، فهم مربوبون له على حد القهر لأوصاف جلاله، أوصاف: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، والفقر إلى أوصاف جماله، فأسباب بقاء عروشهم بل أسباب بقاء ذواتهم منه تستمد، فهو الذي وهب داود، عليه السلام، الملك تكريما وهو الذي ابتلى به فرعون وهامان إهانة واستدراجا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير