ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 09 - 2009, 07:55 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
فذلك جار على حد القياس الأولوي، إذ فيه تنبيه على الأدنى بالأعلى، فمن قدر على ابتداء الخلق، فهو قادر على الإعادة من باب أولى، وفي طباق الإيجاب بين: "يبديء" و: "يعيده": استيفاء لشطري القسمة العقلية في مسألة الخلق إمعانا في تقرير قدرة الرب، جل وعلا، على فعل المتضادات على حد الكمال المطلق.
والاستفهام الذي صدر به الكلام: يحمل سمة الإنكار والتوبيخ على تقدير محذوف عطفت عليه جملة: "يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ " بالواو، من قبيل: أعميت أبصارهم ولم يروا ............. ، فيكون في تلك الزيادة اللفظية المقدرة: زيادة معنوية بزيادة التوبيخ لهم إذ عطلوا مدارك الحس والفهم عندهم فلم تنتفع الأبصار بالرؤى المحسوسة، ولم تنتفع الألباب بالرؤى المعقولة.
والاستفهام، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، جار على حد التنبيه لا الاستخبار، فليس المراد السؤال عن كيفية الخلق وإنما المراد التنبيه على وجوب النظر والتدبر في سننه الكونية في معرض التقرير للسنن الشرعية.
وذيل بما يدل على كمال قدرته، عز وجل، على الخلق والإعادة فذلك عليه يسير، فقد يجري مجرى السبب لمسبَّبه المتقدم، إذ يسر ذلك على الله، عز وجل، هو سبب اطراده في عالم الشهادة إذ الخلق ما بين إيجاد وإفناء، فيبدأ خلق الجنين، ثم يولد، ثم يعيده جنينا آخر على غير حقيقة وصورة الجنين الأول، وإن اشتركا في وصف الآدمية الكلي فلا بد من نوع تباين بينهما، ولو كانا توأمين، فذلك معنى التصوير الذي دل عليه اسم عز وجل: "المصور". ثم هو، جل وعلا، يعيد الخلق يوم الحشر، ضرورة عقلية وشرعية، ثبتت بالنقل الصحيح والعقل الصريح على ما تقدم من دلالة قياس الأولى. فمن أوجد ابتداء فهو قادر على الإعادة انتهاء من باب أولى.
ثم جاء الأمر في الآية الثانية بالسير على الأرض، سير التمكن الذي دلت عليه ظرفية: "في"، وسير التأمل الذي دل عليه الأمر في: "فانظروا"، فهو فرع الأمر بالسير، كما دلت على ذلك الفاء إذ هي نص في التعقيب ولا تخلو مع ذلك، كما تقدم مرارا، من معنى السببية، فالبحث في معرض الاستدلال على ألوهية الرب، جل وعلا، لا يكون إلا لمن أوتي إرادة صادقة فاستهان بالصعاب فقطع الأرض بحثا عن الحق، فذلك من تمام السير، وأوتي مع ذلك حواسا ومدراك سليمة بها ينتفع في معرض التدبر فذلك من تمام التأمل، ووفق قبل ذلك لسلوك هذا الطريق فإنه لن يباشر أسباب الهداية إلا إذا امتن الله، عز وجل، عليه، بالاهتداء إليها بيانا، والاهتداء إليها: امتثالا، فكم علم أناس الحق ولكن هممهم لم تعل لانتحاله بل أخلدت إلى أرض الباطل رضا بالخسيس وزهدا في النفيس الذي لا ينال إلا على جسر من التعب.
والسؤال في:
كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ: جار على ما تقدم من التنبيه.
وعلة ما تقدم من بدأ الخلق وإعادته:
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: على ما تقرر مرارا من الفصل بين العلة المؤكدة بـ: "إن" ومعلولها المتقدم الذكر لشبه كمال الاتصال.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 09 - 2009, 07:29 ص]ـ
ومن دعاء الكليم عليه السلام:
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا: ففيه من فنون البلاغة إيجاز الحذف، إذ حذف الجار على تقدير: واختار موسى من قومه، فيكون من باب: الحذف والإيصال، فحذف الجار وأوصل العامل مع كونه لازما إلى المفعول مباشرة بلا واسطة.
على حد: تمرون الديار أي: بالديار، و: أمرتك الخير أي: بالخير.
وجعله السيرافي، رحمه الله، من باب المفعول منه، فهو عنده نوع قائم بنفسه من أنواع المفعولات، وأيا كان الأمر فإن السياق جار على ما اطرد من بلاغة التنزيل في إيصال المعاني بأوجز المباني.
¥