تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالفورية في الفاء فضلا عما اطرد مرارا من معنى السببية الكامن فيها، مئنة من تقرير قانون الثواب والعقاب، فمن اتقى وآتى الزكاة وآمن بالآيات الشرعيات، فقد كتب الله، عز وجل، له الرحمة التي أضافها إلى نفسه على حد إضافة الصفة إلى موصوفها، فعظمها من عظم المتصف بها، تبارك وتعالى، وذلك من الإلهاب والتهييج على التزام الشرط رجاء تحقق المشروط بمكان، فأي جائزة أعظم من تلك الجائزة في معرض التنافس في فعل مراضي الرب، تبارك وتعالى، من الخيرات التي تنوعت أبوابها رحمة بالمكلفين فلكلٍ ما يلائمه، فقد نوع الباري، عز وجل، بمقتضى قدرته وحكمته، بين خلقه، مئنة من كمال ربوبيته، فيعطي ويمنع، ويعافي ويبتلي، ويحيي ويميت .......... إلخ، فذلك من التنويع الكوني، ونوع بينهم في الأحكام، فلكل أمة ناموس يلائمها، فأمة يهود ناموسها الجلال، تهذيبا لنفوس عجيبة: استمرأت الذل في قصور فرعون، فالجلال يرفع ما سفل من هممها الدنية، وهي مع ذلك: مستكبرة صلبة الرقبة صعبة المراس فالجلال يكسرها ويخضعها إلى الرب الجليل تبارك وتعالى، وأمة النصارى ناموسها الجمال، وأمة التوحيد: ناموسها الكمال جمالا وجلالا، فشريعتها كمالٌ وسطٌ إذ أخبارها أصدق الأخبار وأحكامها أعدل الأحكام، ولكل مكلف في الأمة الواحدة ما يلائمه، فمن الناس من فتح له في الصلاة، ومنهم من فتح له في الزكاة ........... إلخ، فذلك من التنويع الشرعي، فله، عز وجل، في تنويعه الكوني إذ نوع بين الصور والهيئات، والتنويع الشرعي إذ نوع بين العلميات والعمليات، له في ذلك حكمة بالغة علمها من علم وجهلها من جهل. وعدم العلم بالشيء ليس علما بالعدم. ليصح نفي الحكمة لمجرد قصور العقل عن إدراكها.

وقد عم في مقام الكف سلبا، إذ معناه في التقوى أظهر، ولذلك يقال لمن يراد كفه وزجره عن المحارم: اتق الله، وإن كانت التقوى تعم فعل الخيرات كما تعم ترك المنكرات.

ثم خص في مقام الفعل إيجابا: وإيتاء الزكاة مظنة إخراجها طواعية إذ فعل الإيتاء ليس على حد الإعطاء من جهة قبول المطاوعة أو عدمها، فالإعطاء أضعف من جهة الدلالة المعنوية، إذ يقبل المطاوعة بخلاف الإيتاء الذي لا يقبل المطاوعة فهو مئنة من لزوم الفعل، وذلك أكمل في بيان حال المزكي الذي يخرج زكاة ماله بلا تردد.

ثم ذكرهم بوصف الإيمان العام فعم بعد أن خص الزكاة بالذكر، فيؤمنون بالآيات الشرعيات: آيات الأخبار: من إلهيات وغيبيات لا تتلقى إلا بالسمع، وآيات الأحكام: توقيفية كانت كآيات الصلاة والزكاة ......... إلخ، فهي على حد آيات الأخبار إذ العقل لا يدل عليها ابتداء لعدم إدراكه وجه المصلحة فيها، أو معللة يدرك العقل عللها وحكمها فيقيس عليها نظائرها، فإيمانهم قد عم كل الآيات بدليل العموم في: آياتنا، فهو من الجمع المضاف، وذلك من نصوص العموم كما قرر أهل الأصول، وجاء الوصف بالموصول إشعارا بعلية ما اشتقت منه الصلة فذلك أبلغ في تقرير المعنى، وجاءت الصلة مضارعة: "يُؤْمِنُونَ" مئنة من دوام اتصافهم بذلك الوصف الشريف: وصف الإيمان، وجاء ضمير الفصل مؤكدا، فضلا عن تقديم المعمول: "بِآَيَاتِنَا" على عامله: "يُؤْمِنُونَ" فهو جار على ما اطرد من دلالة تقديم ما حقه التأخير على الحصر والتوكيد.

ثم جاء الإطناب في وصفهم:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ: فأطنب في وصفهم إذ هم بالنبي الخاتم المكتوب عندهم في الكتاب الصحيح قبل أن تناله يد التحريف والتبديل هم به يؤمنون وله يتبعون، على ما اطرد من دلالة المضارع على الدوام والاستمرار، فإيمانهم راسخ لا تزيده الآيات إلا إحكاما فلا تزلزله شبهة عارضة أو مقالة باطلة، واتباعهم على حد الإطلاق في كل مسائل الديانة: علوما وأعمالا، أصولا وفروعا، فلم يقيد الاتباع بباب دون باب، بل يتبعونه في كل ما جاء به فيصدقون خبره ويمتثلون حكمه فعلا أو تركا، فقد صدقوا دعواه النبوة لما ثبت عندهم من الآيات الشرعية وما أظهره من الآيات الكونية، فكان اتباعهم لمن عُصِم: لهم عصمة فلا يفتقرون إلى سؤال عن حكمة، وتلك من بركات اتباع الوحي المنزل على قلب النبي المعصوم فلا يخطئ في بلاغ، ولا يكتم بيان ما احتيج إلى بيانه، فهو أصدق الناس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير