تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لسانا وأصحهم إرادة وعلما، ولو أخبر بخلاف الحق جهلا أو كتم سوء نية وطوية لبطلت حجة الله، عز وجل، الرسالية على عباده.

ثم أطنب في بيان وصفه فهو المكتوب في صحف الأولين بوصف: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ: فذلك جار على حد المقابلة فلا يأمر إلا بما هو طيب ولا ينهى إلا عما هو خبيث.

وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ: فذلك من يسر هذه الشريعة التي نسخت جلال شريعة الكليم عليه السلام، وكأن في ذلك مزيد ترغيب لهم في اعتناقها إذ لها من صحة الدليل ما شهدت به كتبهم، وإلى يوم الناس هذا، لمن تدبرها، على ما وقع فيها من تحريف وتبديل، ولها من حكمة التشريع وصحة الاستدلال وعدل الأحكام فلا إفراط ولا تفريط ما يجعل أي عاقل، ولو كان من غير أهل الملل، أو كان من أهل الملل الأرضية المحدثة، ما يجعله يميل إلى الإسلام بفطرته التوحيدية الأولى وقياسه العقلي الصريح، فما عرض هذا الدين في مقابل أديان أهل الكتاب المبدلة على عاقل إلا وجد في نفسه ميلا فطريا على حد الاضطرار إلى دين الإسلام، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام، رحمه الله، في "النبوات"، ولعل ذلك من بقايا الميثاق الأول.

فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ: فآمنوا به فذلك من قبول الرسالة، وعزروه فذلك من إكرام وتوقير الرسول على حد المبالغة، على القول بأن فعَّل هنا للمبالغة لا لمجرد النسبة، وذلك أولى في سياق بيان الواجب على العباد تجاه الرسالة وحاملها، على ما اطرد من زيادة المعنى فرعا عن زيادة المبنى.

أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: فجاء الخبر المسند محط الفائدة مذيلا به بعد التشويق بتقديم المسند إليه الذي جاء بصيغة الموصول الذي أطنب فيه بالعطف على صلته، فزاد البيان لأوصافهم وزاد الشوق إلى معرفة جزائهم، فجاء مصدرا باسم الإشارة الذي يستعمل للبعيد: "أولئك": مئنة من علو مكانتهم، وجاء التوكيد على وصف الفلاح الأخروي: محط الفائدة إذ هو مطلوب كل عاقل في دار لا ينجو منها إلا واحد من كل ألف، جاء التوكيد على ذلك بتعريف الجزأين فضلا عن ضمير الفصل الذي يفيد ما اطرد من الفصل بين الخبر والوصف وتوكيد نسبة أو إسناد ما بعده لما قبله. فهم المفلحون حصرا وتوكيدا لا غيرهم، وقد يقال بأن الحصر هنا ادعائي إذ غيرهم ممن آمن بالرسالة الخاتمة، ناج مفلح وإن لم يكن كتابيا آمن بالكتاب الأول وآمن بما صدقه من الكتاب المهيمن، وما جود الادعاء والإضافة في هذا السياق: حضهم على الإيمان بالرسالة الخاتمة، فذلك جار مجرى الإلهاب والتهييج إذ الموصول لا يخلو من معنى الشرطية التي يترتب فيها المشروط على شرطه، على جهة التعليق المحفز للهمم، فإذا تحقق الشرط وقع المشروط وإذا تخلف لم يقع، فهو دائر معه وجودا وعدما، وما جود ذلك أيضا: أنهم إن آمنوا فلهم من مضاعفة الأجر ما ليس لغيرهم، إذ صدقوا بالرسول الأول وثنوا بتصديق الرسول الثاني، فاستحقوا تثنية الأجر إذ الجزاء من جنس العمل، فصاروا مقدمين في استحقاق وصف الفلاح من هذا الوجه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 09 - 2009, 07:55 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا).

ففي هذا السياق ما اصطلح البلاغيون على تسميته بـ: "الاقتضاب"، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إذ قطع سياق الآيات الكونية بتكليف شرعي، ثم وصل السياق الكوني مرة أخرى بقوله: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)، فذلك العدول مئنة من تلاؤم آيات الكون الباهرة وآيات الشرع الحاكمة، وفيه عود الضمير على غير مذكور على القول بأن التصريف: تصريف شرعي، فصرف الله، عز وجل، آيات الكتاب العزيز بين الناس ليذكروا فليست آياته للاستمتاع على حد التطريب!، وإنما آياته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير