تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والضمير في "به": راجع أيضا إلى غير مذكور، فجاهدهم بالقرآن حجة وبرهانا، كما ستؤمر بعد ذلك من جهادهم سيفا وسنانا، فبذينك الحدين تسلح في نزال الأديان والأبدان طلبا لظهور الدين الخاتم، فلا قيام لهذه الملة إلا: بكتاب هاد وسلاح ماض.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 09 - 2009, 07:36 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)

فتلك سنة كونية جارية على حد سنة: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)، فلا يعترض بها على التكليف الشرعي، إذ الشرع لا يعارض بالقدر إلا على حد قول المشركية: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)، والحال: (ولو حرصت): مئنة من توكيد المعنى، فهي: "وصلية" على حد قولك: ولو فعلت ما فعلت فلن يؤمنوا، ففيها نوع احتراس لئلا يظن الرسول البشري أن أمر الإيمان بيده، أو أنه مكلف بحمل الناس على الإيمان، فهداية الإلهام والتوفيق، هداية: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ليست إلا لله، عز وجل، وإنما كلف الرسول البشري بالبلاغ، فوظيفة الرسل: البيان، فلهم من الهداية هداية الدلالة والإرشاد، هداية: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

والباء في: "بمؤمنين": جارية على ما تقدم من توكيد معنى النفي بزيادة مبناه، فالأمر قد قضي من الأزل، وإنما أخرج الله، عز وجل، الأعيان والأفعال من حيز العدم إلى حيز الوجود المشهود، إذ كانت معدومات في عالم الشهادة، مسطورات في اللوح المحفوظ من الأزل على ما تقدم في علمه، جل وعلا، الأزلي الأول، فشاء الرب، جل وعلا، بقدرته النافذة وحكمته البالغة خروجها إلى العالم المشهود وفق ما تقدم في الأزل، فظهرت حكمته، جل وعلا، إذ ابتلى بالتكليف، وظهرت قدرته إذ حكم لفئام من البشر بالهدى، وحكم على فئام من البشر بالضلال، إذ لم يستلبهم حقا كان لهم، وإنما هو محض عطاء، وصل به من وصل فضلا وامتنانا فذلك من الأمور الوجودية، وقطع أسبابه عمن شاء فذلك من الأمور العدمية، فلا يستقيم حال العبد في هذا الباب إلا بالنظر إلى: جانب القدرة النافذة، و: جانب الحكمة البالغة، فإن من حكمته، جل وعلا، أن وضع الهداية حيث علم قبول المحل، على حد قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فهو أعلم حيث يجعل رسالته، وهو أعلم حيث يجعل هدايته إلى الإيمان برسالته فلا يلقاها إلا من تقدم في العلم الأول: قبول أرض فؤاده لبذر الإيمان الطيب، فتربته بكر لم تتلطخ بأدران الشرك، إذ فطرته التوحيدية الأولى سالمة من المعارضة، وذلك أثر الميثاق التوحيدي الأول الذي يحسه كل مكلف في نفسه، فاضطراره إلى الإله المتفرد بأوصاف الكمال ليدبر شأنه فيهبه بوصف جماله، وينصره على عدوه بوصف جلاله، إضطراره إلى ذلك الإله الحميد المجيد: أمر قطعي لا يتطرق إليه وهم أو شك، وإن مارى في ذلك من مارى من السفهاء، فغايتهم أن يكونوا من أهل: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)، ومع طيب الأرض والبذر، قبلت تلك الأرض بمقتضى المنة الإلهية على مالكها: آثار رحمة ربك من هَطْل الرسالات المتتابع بأجناس العلوم النافعة والأعمال الصالحة، فتنبت شجرة الإيمان في القلب، فأصلها: لا إله إلا الله: أصل كل العلوم الإلهية والتكليفات الشرعية، فبها يصح العقد الأول، فما بعده عليه ينهض، فيتوالي القطر بعلوم الإلهيات: من أسماء وصفات وأفعال ربانية، فتلك أشرف أجناس العلوم، وعلوم الغيب من: الملائكة والدار الآخرة وعالم الخلق المغيب من جان وشياطين وسائر العوالم غير المشهودة فلا يحيط بكنهها إلا الباري عز وجل، وعلوم النبوات المنجية، وعلوم الكتب الهادية .......... إلخ، فتنبت تلك الرحمات المتتالية أجناسا من الأعمال القلبية التي يتفاوت فيها العباد تفاوتا لا يحصيه إلا فاطر القلوب، عز وجل، فتسيل أودية القلوب بقدرها، فمنها الواسع ومنها الضيق، على حد قوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير